«قال — رحمه الله: كانت السلجقية ذوي عُددٍ وعَدد، وأيدٍ ويد، لا يدينون لأحد، ولا يدنون من بلد، وميكائيل بن سلجق زعيمهم المُبجَّل، وعظيمهم المُفضَّل. وقد سكنوا من أعمال بُخارى، موضِعًا يُقال له نور بُخارى، وما زالوا في أنصر شيعة، وأنضر عيشة.»يُقدِّم «عماد الدين الأصفهاني» في هذا الكتاب، الذي عُني الأديب «الفتح بن علي بن محمد البنداري الأصفهاني» باختصاره، سردًا موجزًا مليئًا بالأحداث التاريخية الهامة عن إحدى أعظم الأُسَر الحاكمة في التاريخ العربي والإسلامي وأشهرها، إنها أسرة «آل سلجوق» التي استطاعت أن تبلُغ أَوجها مع بدايات القرن الخامس الهجري، وأن تحتل مكانةً مرموقة وشهرةً واسعة؛ حيث استطاعت بزعامة «طغرل بك» أن تُحقق نجاحًا كبيرًا في توطيد حُكمها تدريجيًّا على عددٍ من البلدان العربية، وذلك بعد أن ألحقوا بجيشَي الغزنويين والبويهيين هزيمةً مُنكَرة أودت بدولتهما في كلٍّ من خُراسان والعراق، وعلى أثر هذا النجاح قام الخليفة العباسي بتعيين «طغرل بك» (الذي لُقِّب ﺑ «ملك المشرق والمغرب») سلطانًا على العراق، وبعدها غدت ناصية أمور البلاد بيده وفي أُسرته لعشرات السنين.
عماد الدين الأصفهاني: هو الوزير والقاضي والأديب والفقيه الشافعي، والشاعر الفارسي، والمؤرِّخ الذي عاصَر الدولتَين النوريةَ والأيوبيةَ ودوَّنَ أحداثَهما. وُلد «محمد بن محمد بن حامد صفي الدين» الملقَّب ﺑ «عماد الدين الكاتب الأصفهاني» ببلدة أصفهان ببلاد فارس عامَ ٥١٩ﻫ/١١٢٥م، ارتحل إلى بغداد والْتَحق بالمدرسة النظامية بها، فبرع في الفقه الذي تلقَّاه على يد «أبي منصور سعيد بن الرزَّاز»، وأتقَن النحو والأدب وعلوم العربية، وتعلَّم علم الكلام، وذاع صِيتُه في علم الترسُّل. ثم رجَع إلى أصفهان فقرأ العلومَ على كلٍّ من «أبي المعالي الوركاني»، و«محمد بن عبد اللطيف الخجندي». ثم ارتحلَ ثانيةً إلى بغداد، فعكَف على الكتابة والتصرُّف. بعد إتمام الدراسة في المدرسة النظامية ببغداد عيَّنه الوزير «عون الدين بن هبيرة» واليًا على البصرة، ثم على واسط، ثم أصبح نائبًا للوزير «ابن هبيرة»، وبعد وفاة الوزير انتقل إلى دمشق عام ٥٦٢ﻫ/١١٦٦م وتوسَّط له القاضي «كمال الدين الشهرزوري»، وقرَّبه من «نور الدين زنكي» فعيَّنه مُعلِّمًا في المدرسة النورية التي عُرِفت بعد ذلك بالمدرسة العمادية، ثم أُسنِد إليه الإشراف على ديوان الإنشاء، وبعد وفاة «نور الدين زنكي» عُزِل من جميع مهامِّه بالدولة، وطُرِد من البلاط؛ فارتحل إلى الموصل وأقام بها إلى أن علم أن «صلاح الدين الأيوبي» حاكِم مصر استولى على دمشق، فسار إليه ولَزِمه، فعيَّنه «صلاح الدين» على ديوان الإنشاء، فرافَقه وشَهِد معه المشاهدَ كلها، وبعد وفاة «صلاح الدين» لَزِم منزلَه وأقبَل على التصنيف والكتابة. له من المُصنَّفات الكثير، منها: «البرق الشامي» وهو كتاب تاريخي، و«خريدة القصر وجريدة العصر» تَرجَم فيه لشعراء القرنَين الخامس والسادس الهجريَّين في الشام والعراق ومصر والجزيرة والمغرب وفارس، و«الفتح القسي في الفتح القدسي» وهو في حروب «صلاح الدين» وفتح بيت المقدس، و«نصرة الفترة وعصرة الفطرة» في أخبار الدولة السلجوقية، وله ديوانٌ شعري ومجموعة رسائل. تُوفِّي «عماد الدين الأصفهاني» في أول شهر رمضان عام ٥٩٧ﻫ/١٢٠١م، ودُفِن في مقابر الصوفية بدمشق.