«المشكلة تظهر عندما نبدأ في رصد وجود الإسرائيليين في فلسطين، ولمَّا كانت التوراة تُطلِق عليهم أحيانًا اسم العبريين، فإن التضارُب يبدأ صارخًا عندما يعرضون لنا محتويات مكتبة تل العمارنة؛ عاصمة الفرعون إخناتون.» يقع هذا البحث الضخم في ثلاثة أجزاء، واستغرق «سيد القمني» قرابةَ عشر سنوات للانتهاء منه، حاوَل خلاله أن يُفسِّر لنا ما قد أُبهِم، أو يَكشف عمَّا خفي عن النبي «موسى» التوراتي في الأزمنة القديمة، من خلال البحث والتمعُّن في نَصِّ الكتاب المقدس العبري «العهد القديم»، خاصةً إذا تلاقَت تلك النصوص مع الكشوف الحديثة لعلماء الآثار وحفريات الأنثروبولوجيا. وينقسم هذا البحث إلى ثلاثِ وَحداتٍ أساسية؛ الوحدة الأولى تشتمل على تمهيدٍ تاريخي مع إعادةِ ترتيبِ جغرافيَّةِ الخروج، والثانية عبارة عن إعادة ترتيب أحداث التاريخ بطرح نظريةٍ جديدة حول علاقة بني إسرائيل بالهكسوس، أمَّا الثالثة فيُركِّز فيها على البحث عن علاقة «إخناتون» بكلٍّ من النبي «موسى» و«أوديب» صاحبِ الملحمة اليونانية المشهورة.
سيد القمني: واحدٌ من أكثرِ المفكِّرينَ إثارةً للجَدل؛ فما بينَ اتهامِه بالكفرِ والإلحادِ من جِهة، واحتسابِه ضمنَ التيارِ العقلانيِّ والتنويريِّ من جهةٍ أخرى، يتأرجحُ الموقفُ منه. وُلِدَ سيد محمود القمني في مدينةِ الواسطى بمحافظةِ بني سويف عامَ ١٩٤٧م، وظلَّ يدرسُ حتى حصَلَ على الدكتوراه من جامعةِ جنوب كاليفورنيا (ويجادلُ البعضُ في مِصْداقيةِ حصولِه على تلك الدرجة). تخصَّصَ القمني في الكتابةِ عن بواكيرِ التاريخِ الإسلامي، محلِّلًا وناقِدًا بجُرْأةٍ الكثيرَ من مَحطاتِه التاريخيةِ حتى هُدِّدَ بالاغتيالِ عامَ ٢٠٠٥م على إثرِ اتِّهامِه بالكُفرِ والإلحادِ من قِبَلِ بعضِ خُصومِه. آثرَ القمني بعدَها السلامةَ وأعلَنَ اعتزالَه الفِكرَ والكِتابة، ثم تراجَعَ عن قَرارِه فيما بعد. وأخيرًا وبعدَ جهدٍ طويلٍ جاءَ تقديرُ الدولةِ له بمنحِهِ جائزةَ الدولةِ التقديريةَ عامَ ٢٠٠٩م، وقد صحبَ ذلك زلزالٌ عنيفٌ مِنَ الرفضِ والاعتراض. يدورُ المَشْروعُ الفِكريُّ لسيد القمني حولَ نقدِ التراثِ وغَرْبلتِه؛ حيثُ انتقَدَ الكثيرَ ممَّا يراه خارجَ نطاقِ العقلِ في التاريخِ الإسلامي، فطالَبَ بنسْخِ آياتِ العبيدِ والإماءِ ومِلْكِ اليَمين، مؤكِّدًا أنَّ المُسلِمينَ تجمَّدُوا فكريًّا عندَ وفاةِ الرسولِ معتبِرينَ أن النصَّ القرآنيَّ يواكِبُ عصرَهم الحالي، بينَما كانَ اللهُ ينسخُ بعضَ آياتِه لتُسايرَ التطوُّرَ المجتمعي، وأكَّدَ القمني على أنَّ الرسولَ بشَرٌ يُصِيبُ ويُخطِئ، ولا قَداسةَ لشخصٍ في الإسلامِ سواءٌ أكانَ الرسولَ أم صحابتَه مِن بَعْده، وأنَّ التاريخَ الإسلاميَّ هو سلسلةٌ متصلةٌ مِنَ الدِّماءِ المُهدَرةِ في سبيلِ بناءِ الدولةِ الإسلاميَّة. ولا شكَّ أنَّ هذا جعلَ القمني عُرْضةً للمُساءلة، سواءٌ من أجهزةِ الدولةِ أو الأزهرِ الشريف. ومن أبرزِ مُؤلَّفاتِ القمني: «حُروب دولةِ الرَّسُول» «الحِزْب الهاشِمِي» «الأُسْطورة والتُّراث». ويَظلُّ القمني — اتفقْنا أم اختلفْنا معَه — مفكِّرًا جَرِيئًا يطرحُ آراءَه دونَ مُوارَبة. رحل الدكتور سيد القمني في ٦ فبراير عام ٢٠٢٢ عن عمرٍ يناهز ٧٤ عامًا.