عُنيَ المؤرخُ الكبيرُ «عبد الرحمن الرافعي» بأن يُسجلَ بين دفَّتَي هذا الكتاب، بأسلوبٍ تاريخيٍّ مُشوِّق، مُجمَلَ الوقائعِ والأحداثِ التي شَهدَتها مِصرُ على مرِّ عصورِها التاريخيةِ القديمةِ التي امتدَّت لآلافِ السنين، منذُ بدايةِ حُكمِ الأُسراتِ المَلكيةِ في مِصرَ القديمةِ حتى الفتحِ العربيِّ للبلاد. ولم يَكنْ غرضُ المُؤلفِ هُنا هو الحديثَ فقط عن تاريخِ مِصرَ وحكَّامِها، بقَدرِ ما أرادَ إبرازَ تاريخِ الحركةِ القوميةِ فيها، والجُهودِ الجليلةِ التي بَذلَها الشعبُ المِصريُّ من أجلِ رِفعةِ شأنِ أُمتِه، وتأسيسِ دولةٍ حُرةٍ مستقلةٍ تستندُ إلى دعائمَ قويةٍ لا تهتزُّ عبرَ الأزمان؛ فقد كان المِصريون مُستعدِّين دائمًا للثورةِ على كلِّ مَن تُسوِّلُ له نفسُه المِساسَ بأمنِ البلادِ واحتلالِها والتمتُّعِ بخَيراتِها، وقاوَموا بكلِّ ما أُوتوا من قُوة، مهما كلَّفَهم ذلك من مَتاعب، ومهما لاقَوا من مَصاعبَ وأهوال.
عبد الرحمن الرافعي: مؤرخٌ ومحامٍ مِصريٌّ شهير، انصبَّ اهتمامُه على تأريخِ الحركةِ القوميةِ المصريةِ منذُ القرنِ الثامنِ وحتى منتصفِ القرنِ التاسعَ عشر. وُلدَ «عبد الرحمن عبد اللطيف الرافعي» بالقاهرةِ عامَ ١٨٨٩م، والِدُه من شيوخِ القضاءِ الشرعيِّ منذُ عامِ ١٨٧٧م، وقد تلقَّى «عبد الرحمن» تعليمَه الابتدائيَّ والثانويَّ ﺑ «مدرسة رأس التين» بالإسكندريةِ بعد انتقالِ والدِه للعملِ بها قاضيًا. انتقلَت أسرةُ «الرافعي» إلى القاهرةِ عامَ ١٩٠٤م والْتَحقَ «عبد الرحمن» بمدرسةِ الحقوقِ بعدَ عُدولِ والدِه عن قرارِ إدخالِه الأزهر، وكان «عبد الرحمن» قد تعرَّفَ على «مصطفى كامل» ودعوتِه الوطنيةِ من الجرائدِ أيامَ مُكوثِه في الإسكندرية، وتعرَّفَ عليه عن قُربٍ بالقاهرةِ أيامَ مدرسةِ الحقوق؛ حيث كان يَترددُ على مَقرِّ «جريدة اللواء» ليَسمعَ منه، حتى توطَّدَت علاقتُهما، ورأى فيه «مصطفى كامل» تلميذًا وطنيًّا نجيبًا، فعرضَ عليه الابتعاثَ إلى باريس لدراسةِ الصحافةِ بعد تخرُّجِه في مدرسةِ الحقوق، وانضمَّ إلى «الحزب الوطني» فورَ إنشائِه، وتخرَّجَ «الرافعي» في مدرسةِ الحقوقِ عامَ ١٩٠٨م. عملَ فورَ تخرُّجِه بالمحاماة، إلا أنه لم يَمكُث كثيرًا فعملَ محرِّرًا ﻟ «جريدة اللواء» الناطقةِ باسمِ «الحزب الوطني» بعد دعوةِ الزعيمِ المِصريِّ «محمد فريد» له للعملِ بها، ومن هنا نَشأَت علاقةٌ وطيدةٌ بينه وبين «محمد فريد» امتدَّت لسنواتٍ طويلة. عادَ «عبد الرحمن الرافعي» للعملِ بالمحاماةِ ثانيةً عامَ ١٩١٠م؛ حيث اشتركَ مع أحدِ أصدقائِه في مكتبٍ بمدينةِ الزقازيق، ثم انتقلا إلى مدينةِ المنصورةِ فظلَّ بها حتى عامِ ١٩٣٢م، وكانت فترةً خصبةً في حياةِ «الرافعي» الفِكرية، فألَّفَ بعضَ كتبِه وأنشأ جمعيةً لمساعدةِ الفلاحِين بقُرى محافظةِ الدقهلية. وفي هذه الأثناءِ لم يَنقطِعِ «الرافعي» عن الكتابةِ للصحفِ والجرائدِ المصرية، مثل «جريدة العلم» و«جريدة الاعتدال»، وشغلَ منصبَ نائبِ رئيسِ تحريرِ «جريدة العلم» أثناءَ سفرِ رئيسِ تحريرِها؛ شقيقِه «أمين الرافعي»، إلى بروكسل. وكانَ «عبد الرحمن الرافعي» يحرصُ على المشاركةِ في مؤتمراتِ «الحزبِ الوطنيِّ» السنويةِ باعتبارِه عضوًا به، وقد صحبَ «محمد فريد» أثناءَ رحلتِه إلى أوروبا لحضورِ «مؤتمرِ السلامِ» بروما، وكان لهذه الرحلةِ عظيمُ الأثرِ في نفْسِ «الرافعي» وعلاقتِه بالزعيمِ الوطنيِّ «محمد فريد». اعتُقلَ «عبد الرحمن الرافعي» مع مجموعةٍ كبيرةٍ من قياداتِ «الحزبِ الوطنيِّ» عقِبَ أزمةِ ١٩١٥م، وإعلانِ الأحكامِ العُرفيةِ بعد اندلاعِ الحربِ العالميةِ الأولى، وأُفرجَ عنه بعد عشرةِ أشهُر. وإبَّانَ ثورةِ ١٩١٩م، شاركَ «عبد الرحمن الرافعي» في كل مَوجاتِها وتتبَّعَ حَراكَها في القاهرةِ والأقاليم، وقبلَ ذلك تابَع وتفاعَل مع حركةِ الوفدِ المصري، وكان على رأسِ المطلوبِ إعدامُهم عقبَ المُظاهراتِ التي اندلعَت في كاملِ القُطرِ المصري. انتُخبَ «عبد الرحمن الرافعي» نائبًا في البرلمانِ عن دائرةِ المنصورةِ عامَ ١٩٢٣م، وكان زعيمَ المعارَضةِ به مع مجموعةٍ من نُوابِ «الحزب الوطني»، ثم حُلَّ المجلسُ وأُعيدَ انتخابُه عامَ ١٩٢٥م، وعلى إثرِ تعطيلِ الحياةِ النيابيةِ انسحبَ «الرافعي» من الحياةِ النيابيةِ لمدةِ ١٤ عامًا، ثم عادَ نائبًا بمجلسِ الشيوخِ حتى عامِ ١٩٥١م، وتَولَّى عدةَ وزاراتٍ مثل وزارةِ التموينِ لمدةٍ قصيرة. وعقبَ ثورةِ ١٩٥٢م اشتركَ في إعدادِ دستورِ ١٩٥٣م وعُينَ نقيبًا للمُحامِين عامَ ١٩٥٤م، ثم حُلَّتِ النقابةُ بعد مُطالبتِها للجيشِ بالعودةِ إلى ثُكناتِه. ﻟ «عبد الرحمن الرافعي» العديدُ من المؤلَّفاتِ من أهمِّها: «تاريخ الحركة الوطنية وتطور نظام الحكم في مصر»، و«مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية»، و«في أعقاب الثورة المصرية»، و«أربعة عشر عامًا في البرلمان»، و«مقدمات ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م»، و«مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال». تُوفِّي المؤرخُ المصريُّ «عبد الرحمن الرافعي» عامَ ١٩٦٦م.