«وَلْأضربْ لك مثلًا بالهرَم العظيم الذي لا يزال أُعجوبة الدنيا، فهو لم يُشيَّد قبلَ أي بناءٍ قائم الآن في أوروبا بآلاف السِّنين فقط، وإنما شُيِّد قبل أن يُباع يوسف ويصيرَ رقيقًا في منزل يوتيفار. وآلاف الأعوام قبل أن يسمعَ إنسانٌ بالإغريق والرُّومان، كان يحكم مصرَ ملوكٌ عِظام، يُرسِلون بجيوشهم لتغزوَ سوريا والسودان، ويبعثون سُفنهم لتستكشف البحارَ الجنوبية. وكان حكماء المصريين يضعون الكُتب التي نقرؤها الآن.»بدأ اهتمام «نجيب محفوظ» بالتاريخ المصري القديم مبكرًا، فكانت باكورةُ أعماله هي ترجمةَ كتاب «مصر القديمة»، لرجل الدِّين الإنجليزي «جيمس بيكي»، الذي ترجمه في السنة الثانية من الكلية. وقد قدَّم هذا الكتابُ صورةً عامة عن الحضارة المصرية القديمة وعظَمتها؛ فتَحدَّث عن أرض مصر، وكيف أن المصري استطاع أن يَخلق حضارةً كاملة وقوية ما زالت شامخةً إلى اليوم في هذا الشريط الضيِّق على ضِفاف النيل. كما تحدَّث الكِتابُ عن مدينة طِيبة العاصمة المصرية القديمة، وعن فرعونها، وأطفالها وجنودها، وأساطيرها وخُرافاتها، ومعابدها، وحروبها، وروى الكثيرَ من الحكايات المُمتِعة حول هذا التاريخ القديم المجيد. وقد جاءت ترجمة «نجيب محفوظ» بلُغةٍ سَلِسة وبسيطة ومُمتعة.
جيمس بيكي: مستشرِق وعالِم مصريات وقَسٌّ اسكتلندي، كان له اهتمام خاص بالحضارة الفرعونية، وقدَّم العديد من كتب المصريات الموجَّهة للقارئ العام. وُلد «جيمس بيكي» في عام ١٨٦٦م في إدنبرة باسكتلندا، ودرس في جامعتَي أكسفورد وإدنبرة، وانضمَّ إلى خدمة الكنيسة وتنقَّل بين أكثر من كنيسة في بريطانيا، وعمِل في أثناء ذلك بالتدريس في جامعة أكسفورد. كان «جيمس بيكي» متنوِّع الاهتمامات، وأخرَج كُتبًا في الفلك والآثار، وكلها بلُغة بسيطة غير متخصِّصة، وموجَّهة للقارئ العام. وكان له اهتمام خاص بالتاريخ المصري، وأخرَج بعض الكتابات عن التاريخ والثقافة والمجتمع في مصر القديمة. لكن أكثر ما يلفت الانتباه فيما يخص «بيكي» أنه لم يَزُر مصر قَط، واعتمد فحسب على تقارير وكتابات أصدقائه وزملائه، وعلى الرغم من ذلك، لاقَت كُتبه شهرةً كبيرة وقبولًا من المتخصِّصين وغير المتخصِّصين على حدٍّ سواء. ويُعَد كتاب «مصر القديمة» الذي ترجَمه «نجيب محفوظ» أحدَ أبرز أعمال «جيمس بيكي»، وله أيضًا كتبٌ أخرى مشهورة منها: «عصر العمارنة»، و«حياة الشرق القديم»، و«الحفريات الأثرية في أرض الفراعنة»، و«قصة الفراعنة»، وغيرها من الكتب في المصريات والفلك، وبعض الكتابات المسيحية عن القدس والإنجيل وغيرهما. وقد ظل «جيمس بيكي» يَجمع بين أعماله ودراساته وخدمته الدينية حتى تُوفِّي في عام ١٩٣١م في اسكتلندا، بعد شهرٍ واحد من إتمامه مُسوَّدة كتابه الضخم «الآثار المصرية في وادي النيل».