في صفحات هذا الكتاب يُقدِّم العالِم الأثري «محمود عكوش» وصفًا ضافيًا ورائعًا لواحدٍ من أعظم المساجد التاريخية في مصر وأكبرها؛ إنه «جامع ابن طولون»، الذي يُعَد من أشهر المساجد الأثرية في مصر؛ نظرًا لقِدَم مبناه الذي يعود إلى القرن الثالث الهجري، وذلك حينما شرع والي مصر «أحمد بن طولون» في تشييده وسطَ مدينة «القطائع»، التي أراد أن يجعل منها عاصمةً للبلاد آنذاك. ومنذ تلك اللحظة ظلَّ «جامع ابن طولون» من أبرز المساجد التاريخية التي لم تتغير مَعالمها عبر الأزمان، فهو لا يزال محتفظًا بتخطيطه وتفاصيله المعمارية الفريدة، وزخارفه الإبداعية الباهرة. و«جامع ابن طولون» من أكثر المساجد تأثرًا بالطراز المعماري العراقي، ولا سيما مسجد «سامراء» الذي شيَّده الخليفة العباسي «المتوكل» بالعراق؛ حيث نرى المِئذنة المُدرَّجة التي تُعَد واحدة من أقدم المآذِن في مصر. وسيبقى هذا الجامع نموذجًا فريدًا من فن العمارة الإسلامية، وشاهدًا على ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية في عهد الدولة الطولونية من عظَمةٍ وازدهار.
محمود بن مصطفى باشا عكوش: مُؤرِّخ، وخبير أثَري مصري، مشهودٌ له برحابة علمه بالآثار العربية، وسعة إدراكه للتاريخ والثقافة الإسلامية. وُلد «محمود عكوش» بمصر عام ١٨٨٥م تقريبًا، ينحدرُ أصله من «قولة» إحدى كُبريات مدن اليونان، انتقل منها جدُّه قاصدًا مصر مع «محمد علي باشا»، واستقر بها. تلقَّى «عكوش» تعليمه في «مدرسة الأنجال»، التي أنشأها «الخديوي توفيق» لأولاده. أجاد الإنجليزية والفرنسية، وبعد تَخرُّجه عُين سكرتيرًا في لجنة الآثار العربية، وانتُدب للتدريس في المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، وأثابه المعهد بوسام الأكاديمي على مجهوداته الكبيرة. له الكثير من الأعمال القَيِّمة في التأليف والترجمة، لعل أشهرها كتاب «تاريخ ووصف الجامع الطولوني»، الذي نُشر عام ١٩٢٧م، و«المسجد الأعظم بالمدينة»، المنشور عام ١٩٣٦م، و«مصر في عهد الإسلام». كما أن له العديد من التراجم، منها: «حفريات الفسطاط»، و«رسالة القبة والطير»، وغيرهما. تُوفِّي «عكوش» عام ١٩٤٤م، مُخلفًا وراءه أثرًا بارزًا في الآثار العربية، وأُطلق اسمُه على أحد الشوارع بالقاهرة.