كان للمستشرق البلجيكي الأب «هنري لامنس» ما يمكن اعتباره مشروعًا ثقافيًّا خاصًّا؛ درس فيه جغرافية بلاد الشام وتاريخها، فقدَّم أولًا كتابه القيِّم «تسريح الأبصار فيما يحتوي لبنان من الآثار»، ثم توسَّع في أبحاثه بعد أن وجدت صدًى طيبًا لدى القُراء، فدرس جغرافية سوريا وأشار لما فيها من تميُّز؛ حيث تتوسَّط قاراتِ العالم القديم، كما تمر بها طرق التجارة الهامة، وهو الأمر الذي طالما جعل منها مَطمعًا للقوى الدولية الكبرى؛ فتوالت عليها الغزوات والفتوحات خلال تاريخها. وهذا الكتاب هو مجموعةٌ من المقالات التي نشرتها «مجلة المشرق» عن سوريا وجغرافيتها، ولكن بسبب ظروف السفر لم يتمكَّن «لامنس» من إتمامها، وإن كان ذلك لا ينفي ما في هذا الكتاب الصغير من فائدة.
هنري لامنس: راهب وأديب ومستشرق بلجيكي، عاش معظم حياته في بلاد الشام. وُلد «لامنس» في مدينة «جَنت» البلجيكية في عام ١٨٦٢م، وتلقَّى تعليمًا دينيًّا ثم ارتحل إلى لبنان حيث انضم إلى جماعة «الرهبان اليسوعيين» هناك، وتعلَّم بالكلية اليسوعية في بيروت التي استقر بها. بعد أن أتم دراسته بالكلية اليسوعية التحق بأحد الأديرة بمدينة «غزير» اللبنانية؛ حيث قضى سبع سنوات في دراسة اللغات العربية واللاتينية واليونانية، بالإضافة إلى الأدب العربي والخطابة؛ حتى أصبح ضليعًا في علوم العربية وفِقهها، ثم عمل مُدرسًا للعربية والتاريخ بالكلية اليسوعية في عام ١٩٠٣م، وبحكم وظيفته تمكَّن من الاطِّلاع على العديد من الكتب وذخائر التراث، فاستهواه الأمر وتفرَّغ للبحث والدراسة في الأدب والتاريخ العربي، كما أصدر جريدة «البشير» الأدبية من بيروت، التي حفلت صفحاتُها بالعديد من الموضوعات الفكرية لكُتاب كبار. تعلَّم «لامنس» عدة لغات أجنبية بعد رحلاته المتعددة في دول أوروبا؛ فازدادت ثقافته شمولًا، فكان يطَّلع على الحركة الأدبية العالمية أولًا بأول، كذلك قدَّم عدة دراسات عن الأدب العربي والتاريخ الإسلامي، وإن كان بعض النقاد رأوا في هذه الدراسات تحامُلًا غير مقبول، بل اتُّهم في بعض الأحيان بتزييف الحقائق والتحامل على الإسلام. تُوفِّي «لامنس» ببيروت في عام ١٩٣٧م.