«وأولُ مَن استعمل لفظة «الصحافة» بمعناها الحالي كان الشيخ نجيب الحداد؛ مُنشِئ جريدة «لسان العرب» في الإسكندرية، وحفيد الشيخ ناصيف اليازجي، وإليه يَرجع الفضلُ في اختيارها، فقلَّده سائر الصحافيين من بعده.»هذا الكتاب هو موسوعةٌ تأريخية ضخمة، تُوثِّق توثيقًا شاملًا للصحافة العربية في مشارق الأرض ومغاربها، منذ نشأتها في مصر سنة ١٨٠٠م، وحتى نهاية ١٩٢٩م. طوال أربعة وأربعين عامًا بذل المؤرِّخ الفيكونت «فيليب دي طرَّازي» جهودًا جبَّارة في سبيل جمع مادة هذا الكتاب، وراسَلَ العديدَ من الصحافيين وذوي الاختصاص، بل جاب أيضًا أصقاعَ المعمورة بنفسه، وأوفَد على نفقته وكلاء عنه يَتقصَّون أخبارَ الصحف الناطقة بالعربية، التي كادت آثارُ بعضِها تندثر بفعل الزمن، حتى تهيَّأ له أن يضع في أجزاءٍ أربعة من هذا الكتاب نشَرَها على مدار عشرين عامًا، حصرًا بعناوين ٣٠٢٣ جريدة ومجلة عربية، مُرتَّبةً جغرافيًّا وتاريخيًّا، مع بيانِ أسماء مؤسِّسيها ومحرِّريها، وتَراجِم المشاهير منهم. وبذلك يُعَد الكتاب مرجعًا فريدًا لا غنى عنه للباحثين في تاريخ الصحافة العربية وتطوُّرها عبر العصور.
فيليب دي طرَّازي: مؤرِّخٌ وأديبٌ لبناني، يُعدُّ واحدًا من أهمِّ مَن أرَّخوا للصحافة العربيَّة منذ نشأتها وحتى أوائل القرن العشرين، وهو مؤسِّس دار الكتب الوطنية، وكان أمينًا لدار الآثار ببيروت. وُلِد الفيكونت فيليب نصر الله أنطون دي طرَّازي في بيروت في مايو عامَ ١٨٦٥م، لأسرةٍ مسيحيَّة سريانيَّة شديدةِ التديُّن، وكان أبوه وأعمامه قد هجروا حلب عامَ ١٨٥٠م واستقرُّوا بلبنان. درس فيليب بالمدرسة البطريركيَّة مدةَ سنتين، ثم الْتَحَق بكلية «الآباء اليسوعيين»، وتعلَّمَ إلى جانب العربيَّة اللغاتِ اللاتينيَّةَ واليونانيَّةَ والإيطاليَّة. وعمل بعد تخرُّجه بأعمال التجارة مع عائلته، لكنَّ نفْسَه كانت تنزع دائمًا إلى طلب العلم عامَّةً، والتاريخ خاصَّة. أسَّسَ طرَّازي دارَ الكتب الوطنية في بيروت عامَ ١٩٢٢م؛ كُبرى مكتبات لبنان، ونقل إليها مكتبتَه الخاصَّة التي ضمَّتْ نفائسَ الكتب المخطوطة والمطبوعة، ومجموعةً كبيرة من المجلَّات والجرائد التي جمَعَها من جميع أنحاء العالَم. ونال الفيكونت عضويَّةَ «المَجْمَع العلمي العربي بدمشق»، وعضويَّةَ «اللجنة العليا لدار كتب المسجد الأقصى بالقدس»، وعضويَّاتِ عددٍ من الجمعيَّات العلميَّة والتاريخيَّة بباريس وبرلين وموسكو. دأب طرَّازي على التأليف والكتابة، وكان باكورةَ مؤلَّفاته كتابُ «تاريخ الدولة المصريَّة في عهد السلالة المحمديَّة العلويَّة»، الذي قدَّمه مخطوطًا إلى الخديو عباس الثاني بمصر عامَ ١٨٩٩م. كما كان له شِعرٌ جمَعَ أكثرَه في ديوانَيْه: «نفحة الطيب» و«قُرَّة العين». وله كتبٌ مطبوعة عديدة، منها: «خزائن الكتب العربيَّة في الخافقين»، و«اللغة العربيَّة في أوروبا»، و«عصر العرب الذهبي»، و«أصدق ما كان في تاريخ لبنان». بالإضافة لعددٍ من المخطوطات، منها: «ترويح الأنفس في ربوع الأندلس»، و«كشف المخبَّآت عن سارقي الكتب وأعداء المكتبات»، و«تاريخ نابوليون الأول». وكان لديه ولعٌ باقتناءِ الصُّحف، فاجتمَعَ عنده آلافُ الجرائد والمجلَّات بلُغاتٍ مختلفة ومن عصورٍ مختلفة، وهي ما شكَّلت مصادرَ هامَّة اعتمَدَ عليها في وضْعِ كتابه الفريد من نوعه: «تاريخ الصحافة العربيَّة». فقَدَ الفيكونت بصرَه في آواخر حياته وأصابَه الشلل، حتى وافَتْه المَنِيَّة في أغسطس عامَ ١٩٥٦م بلبنان، مخلِّفًا وراءَه آثارًا جليلة ما زالت تُقتفَى حتى يومنا هذا.