«من واجب كل باحث أن يبذل الجهد في الاقتراب من الدراسة الموضوعية لتلك المرحلة قدر الإمكان، خصوصًا أن هذه الأحداث قد مضى عليها أكثر من ربع قرن، وأن العواطف والانفعالات الإنسانية التي صاحبَت بعضَها لا بد أن تكون قد هدأت أو اختفت.»لم تكُن فترة حكم الرئيس المصري «جمال عبد الناصر» مَحطَّ إجماع، بل إنها لقيَت من البعض معارَضة شديدة، وتجلَّى ذلك بوضوح فيما خطَّته الأقلام خلال تلك الفترة المفصلية من تاريخ مصر الحديث. وهذا الكتاب، لمؤلِّفه «عبد العظيم أنيس»، يضم بين دفَّتَيه مجموعةً من المقالات التي تتناول بالنقد أهمَّ كتابات الصحفي الكبير «محمد حسنين هيكل»، التي حظيت باهتمام وإقبال كبيرَين من قِبَل القُرَّاء، وعُدَّت نافذة على الفترة الناصرية، وعكَس هيكل من خلالها، بقُرْبه من مركز السلطة، إنجازاتِ تلك الفترة وتحدِّياتها. ويضم الكتاب أيضًا مقالات نقدية تتناول مذكرات وزير الثقافة الناصري «ثروت عكاشة»، التي ركَّزت على الجوانب الثقافية في تلك الحِقبة. وقد عُني «أنيس» بتقديم قراءة موضوعية ومتأنِّية لهذه الكتابات والمذكرات، بعيدًا عن أيِّ تحيُّزات أو انفعالات شخصية من شأنها أن تؤثِّر على الحيادية النقدية.
عبد العظيم أنيس: مفكرٌ وعالم رياضياتٍ مصري، يُعَد واحدًا من أبرز النشطاء السياسيين اليساريين في القرن العشرين. وُلد «عبد العظيم أنيس» عام ١٩٢٣م في حي الأزهر بالقاهرة لعائلةٍ من الحرفيين، التحق في مراحل تعليمه الأوَّلي بأحد كتاتيب حي الأزهر، ثم استكمل مراحل تعليمه الأساسي في إحدى المدارس بحي العباسية بعدما انتقلت عائلته إليه. تتلمذ على يد العالم المصري الكبير «علي مصطفى مشرفة»، وتخرَّج في قسم الرياضيات بكلية العلوم بجامعة الملك فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًّا) عام ١٩٤٤م، وفي العام نفسه عُيِّن معيدًا بكلية العلوم بجامعة الملك فاروق في الإسكندرية، ومع بدايات الخمسينيات سافر إلى لندن لاستكمال دراساته العليا، فحصل في عام ١٩٥٢م على شهادة الدكتوراه في الإحصاء الرياضي من الكلية الملكية (الإمبريال كولدج) بلندن، وامتهن التدريس في جامعات الإسكندرية والقاهرة ولندن. تعرَّف «أنيس» على الثقافة الغربية عن قُرب خلال الفترة التي قضاها في بريطانيا؛ حيث اطَّلع على كلاسيكيات الأدب الإنجليزي، وكان لهذا الأمر أثرٌ كبير في تكوينه الثقافي إلى جانب تكوينه الرياضي، وحينما قرَّر العودة إلى مصر بعد حصوله على الدكتوراه، فُوجِئ بفصله من جامعة القاهرة بسبب نشاطه الثوري، وهنا لجأ إلى العمل الصحفي، وبدأ يكتب في السياسة والأدب بجريدتَي «المساء» و«الوفد» ومجلة «روزاليوسف». كان «أنيس» منتميًا إلى الفكر اليساري منذ أنْ كان طالبًا بالجامعة، وتنقَّل بين عدةِ أحزابٍ يسارية، ولم يتراجع عن نشاطه بالرغم من اعتقاله مراتٍ عديدة، بل ظلَّ متشبِّثًا بآرائه حتى فارقَت روحه الحياة. بجانب مؤلَّفاته العلمية — ومنها «مقدمة في علم الرياضيات» — قدَّم «أنيس» العديد من الكتب النقدية التي غلب عليها الطابع اليساري، أبرزها: «التعليم في زمن الانفتاح»، و«بنوك وباشوات»، و«قراءة نقدية في كتابات ناصرية»، و«التعليم وتحدِّيات الهُوِية القومية» وغيرها. تُوفِّي «عبد العظيم أنيس» في عام ٢٠٠٩م بعد حياة حافلة بالنضال السياسي والإسهام الثقافي والعلمي.