يُعدُّ هذا الكتابُ موسوعةً تاريخيةً جامعةً لحيثياتِ تاريخِ الدعوةِ المُحمديَّةِ والسِّيرةِ النبويةِ في الجزيرةِ العربية. ويَسردُ لنا الكاتبُ في هذا المُؤلَّفِ النفيسِ أحوالَ الجزيرةِ العربية، وسببَ تشرُّفِها بأنْ تكونَ مَهبِطًا لتلكَ الرسالةِ الخالدةِ دونَ غيرِها من بِقاعِ الأرض. بحَثَ الكاتبُ عن العلاقةِ التي تربطُ الجزيرةَ العربيةَ بالجنسِ السامي، كما استقصى أحوالَ الشعبِ العربي، واللغةِ العربية، والمعتقَداتِ العربيةِ قبلَ الإسلام، وأجْلَى أهميةَ علمِ اللغةِ وعلمِ الأجناسِ في تدوينِ السيرةِ المحمديَّة، ولم يَتركْ شارِدةً ولا وارِدةً تاريخيةً تتَّصِلُ بالسيرةِ المحمديَّةِ إلَّا أفرَدَ لها نصيبًا مِنَ الذِّكْر، كما تحدَّثَ عن سَمْتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وشَمائلِه الأخلاقيَّة، وعن زَوجاتِه، وغَزواتِه، وسِياستِه في إقامةِ دَعائمِ الدولةِ الإسلاميَّة؛ وبهذا يكونُ الكاتبُ قد وُفِّقَ في إجلاءِ تاريخِ النبيِّ «محمدٍّ» صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بحيويةِ السَّرْد، ومنطقيةِ التاريخ.
محمد لطفي جمعة: كاتبٌ ومترجِمٌ ورِوائي، كانَ مَوْسوعيَّ المَعْرفة، ويُجِيدُ العديدَ مِنَ اللغات، كما أنه أحدُ كبارِ المحامِينَ والناشِطينَ السياسيِّينَ المِصْريِّينَ في عصْرِه. وُلِدَ بالإسكندريةِ عامَ ١٨٨٦م، لأسرةٍ تنتمي إلى الطبقةِ الوسطى، وكانتْ مُرْضِعتُه السيدةَ «ملوك عيد» والِدةَ الشيخِ سيِّد درويش، فكانَ أخاه في الرَّضاعة. الْتَحقَ في بدايةِ حياتِه بمدرسةِ الأقباطِ بطنطا، ثم أمْضَى أربعَ سنواتٍ بالمدرسةِ الأميريةِ التي نالَ منها شهادتَه الابتدائية، ثم انتقَلَ إلى القاهرةِ ليَحْصلَ مِنَ المدرسةِ الخديويةِ على شهادتِه الثانوية، وسافَرَ بعدَها إلى بيروتَ ليَلْتحقَ هناكَ بالكليةِ الأمريكيةِ لدراسةِ الفلسفة، كما حصَلَ بعدَ عودتِه للقاهرةِ على إجازةِ مدرسةِ المُعلِّمِين، وعملَ في بدايةِ حياتِه مدرِّسًا لمدةِ ثلاثِ سنوات. نالَ درجةَ الدكتوراه من كليةِ الحقوقِ بليون في فرنسا عامَ ١٩١٢م، وقامَ بعدَها بتدريسِ مادةِ القانونِ الجنائيِّ في الجامعةِ المِصْرية. نَشأتْ بينَه وبينَ الزعيمَيْن الوطنيَّيْن، مصطفى كامل ومحمد فريد، صَداقةٌ وطيدةٌ واتفاقٌ في الرُّؤَى السياسيَّة؛ الأمرُ الذي دفَعَه دونَ تردُّدٍ للانضمامِ إلى جانبِهما في الحزبِ الوطني، ومشارَكتِهما في الكفاحِ السياسيِّ ضدَّ الاستعمار، ولمْ يَقتصِرْ كِفاحُه على المُستوى الحَركيِّ المتمثِّلِ في العملِ السياسيِّ والنشاطِ الحِزْبي، ولكنَّه امتدَّ أيضًا للعملِ الصحافيِّ الفكريِّ التنويري، فكانَ يكتبُ في معظمِ الدَّوْرياتِ والمَجلَّاتِ والجرائدِ العربيةِ التي كانت تَصدُرُ في عصْرِه. كانَ داعيةً للحوارِ الحضاري، والتعاوُنِ بينَ الأممِ في مجالِ العملِ والثقافةِ والعِلْم، وكانَ مِنَ المُنادِينَ بمَجانيَّةِ التعليم، وطالَبَ بإنشاءِ المَتاحفِ الاجتماعية، والنُّصبِ التذكاريَّة، كما وضَعَ أولَ قاموسٍ للُّغاتِ السريَّة، وأشارَ في كثيرٍ من أَعْمالِه الأدبيةِ والعِلْميةِ إلى العيوبِ الكامنةِ في البنيةِ القانونيةِ للمُجتمعِ المِصْري، وأرَّخَ للفلسفةِ الإسلاميةِ والتصوُّفِ ورِجالِه. ألَّفَ الكثيرَ مِنَ الكُتبِ في العديدِ مِنَ الحقولِ المَعْرفية؛ كالأدبِ والفلسفةِ والتاريخ، بالإضافةِ إلى ترجمتِه العديدَ مِنَ الكُتبِ الشهيرةِ في الحضارةِ الغربيَّة، ككتابِ «الأمير» لميكيافيلي، و«الواجب» لجون سيمون، و«مائدة أفلاطون» وغيرِها مِنَ الكُتبِ الأخرى. أصيبَ بجلطةٍ دماغيةٍ مرِضَ على إِثْرِها مَرضًا طويلًا، ثُم فارَقَ الحياةَ متأثِّرًا بمُضاعَفاتِها.