«وقد صار المسجد الجامع القديم بظاهر المدينة من جهة الغرب، وصار حوله مقبرة، وقد بنى فيه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون منارةً، وهي من عجائب الدنيا في الهيئة والعلوِّ، وذكر المُسافرون أنها من المُفردات ليس لها نظيرٌ، وكان الفراغُ من بنائها في نصف شعبان سنة ثماني عشرة وسبعمائة (١٣١٨م).»حين وليَ «سليمان بن عبد الملك» الخليفةُ الأموي أمْرَ جُند فلسطين من قِبل أخيه «الوليد»، عمَد إلى طمسِ مدينة «اللُّد» وإقامةِ مدينة بجوارها؛ لتكون شاهدةً على الحضارة الأموية، وكان أول ما أنشأه في المدينة الجديدة هو قصره الفخم، كما أنشأ الجامعَ الكبير أو «الجامع الأبيض» الذي ظلَّ علامة بارزة في تاريخ هذه المدينة، في حين أطلَق عليها اسم مدينة «الرملة» نسبةً إلى رِمالها البيضاء، على أرجَح الأقوال. يَستعرض هذا الكتاب ما بقي من هذا المسجد، وهو المِئذنة البيضاء، ويتطرَّق إلى تاريخ المدينة في مختلِف العصور، كما أورَد به المؤلِّفُ عِدةَ نماذج من «الرُّقم التاريخية»؛ وهي الكتابات الموجودة على الأضرحة والمباني القديمة بالمدينة. وقد ألَّف المؤرِّخ «عبد الله مُخلص» هذا الكتاب أثناء عمله بإدارة الأوقاف الإسلامية بفلسطين.
عبد الله مُخلِص، كاتب وأديب ومؤرخ، اشتهر بالثراء اللُّغَوي، فكتب وصنَّف في التاريخ والأدب والسياسة. وُلِد عبد الله بن محمد عبد الله مخلص عام ١٨٧٨م بقرية «عينتاب» بمدينة «حَلَب» بـ«سوريا»، عُرِفَت أسرته ببيت «شبجي خوجه زاده»، كان والده من ضباط الجيش العثماني، هاجر إلى «فلسطين» ولم يتجاوز سن ابنه الأربعة أعوام فنشأ عبد الله بمدينة «جنين» وتلقى تعليمه بـ«حيفا» فأجاد العربية والتركية والفارسية، ظهرت موهبته ف الكتابة منذ سن مبكرة فكتب بعدة صحف سياسية وأدبية، كما شارك في الأعمال العامة. اشتغل عبد الله بالتجارة بسوق حيفا، ثم عُين مديرًا للأوقاف الإسلامية بمدينة «القدس»، كذلك انتخب عضوًا بالمجمع العلمي العربي ونشر بمجلته عدة أبحاث تاريخية. كتب وصنَّف وترجم الكثير من المؤلفات من أهمها «أدوات الحرب عند العرب»، و«مئذنة الجامع الأبيض في الرملة»، وترجم «سيرة الفاتح في تاريخ السلطان محمد الفاتح»، و«فاتحة الفتوحات العثمانية»، وعدة أبحاث تأريخية للعديد من المُدن الشامية مثل «تاريخ بيت لحم»، و«تاريخ الخليل»، وكتب « تاريخ صفد» بعد أن عاش بها عدة سنوات، و«تاريخ المسجد الأقصى»، كما قام بتحقيق عدة كتب تراثية مثل «الإشارة إلى من نال الوزارة» لابن الصيرفي، و«بديعة العميان» لابن جابر الأندلسي، و«أعلام الإسلام في مواطن الأنبياء». توفي عبد الله مُخلص عام ١٩٤٧م.