«قال لي جاستون إن أعضاءَ المجمع استمعوا إلى خطاب من المواطن لانكريه يعلن فيه اكتشافَ نقوشٍ في رشيد محفورةٍ بإزميل في كتلة ضخمة من البازلت، مكتوبةٍ بالحروف اليونانية والهيروغليفية وخطٍّ ثالث مجهول. وكان جاستون منفعلًا كما لو كانوا قد اكتشفوا حاصلًا من الذهب. ولم أفهم السبب.»كان اهتمام «صنع الله إبراهيم» بالعَلاقة بين الشرق والغرب، كاهتمامه بالتاريخ بصفته ظهيرًا زمنيًّا، وفاعلًا رئيسيًّا للكثير من أحداث رواياته، ويَتجلَّى ذلك في هذا العمل الذي يناقش فيه حدثًا تاريخيًّا مهمًّا، وهو الحملة الفَرنسية على مصر، وهي أوَّل عَلاقةٍ للمصريين مع الآخَر بصورةٍ مباشرة، ولكنها كانت عَلاقةً مختلفة؛ فهي على أرضٍ مصرية، والآخر هنا مُحتَّل. وقد نجح «صنع الله إبراهيم» في نَسج الحَبكة الروائية بإبداعٍ فريد؛ يَتمثَّل في شخصيةِ البطل الذي لم يَمنحه اسمًا، والذي جاء من صعيد مصر، وجاوَر الأزهر، وصار من تلاميذ المؤرِّخ الكبير «عبد الرحمن الجبرتي»، وكانت معرفته للُّغة الفَرنسية قد مكَّنته من الاقترابِ من الأحداث وتسجيلِ كلِّ ما شاهده، فقدَّم تاريخًا موازيًا عن أعوام الحملة الثلاثة، كما يثير سؤالًا مهمًّا حول مدى صِدق الكتابة التاريخية حول هذه الأحداث.
صنع الله إبراهيم: روائيٌّ مصري يساري، يُغرِّد خارج السِّرب، سُجن في عصر «جمال عبد الناصر»، وبالرغم من ذلك يُقدِّر التجرِبة الناصرية، رفض استلامَ جائزةٍ من الدولة المصرية، وسخَّر مشوارَه الأدبي في الحديث عن هموم الوطن. وُلد «صنع الله» في القاهرة عام ١٩٣٧م، وكان لوالده أثرٌ كبير على شخصيته؛ فقد زوَّده بالكتب والقصص وحثَّه على الاطِّلاع، فبدأت شخصيتُه الأدبية في التكوين منذ الصِّغَر. درس الحقوق، لكنه سرعان ما انصرف عنها إلى الصحافة والسياسة. انتمى للمُنظَّمة الشيوعية المصرية «حدتو»، فاعتُقِل عام ١٩٥٩م ضمن الحملة التي شنَّها «جمال عبد الناصر» على اليساريِّين المصريِّين، وقبع في السجن خمسَ سنوات حتى عام ١٩٦٤م. بعد خروجه من السجن اشتغل في الصحافة لدى وكالة الأنباء المصرية عام ١٩٦٧م، ثم عمل لدى وكالة الأنباء الألمانية في برلين الشرقية عام ١٩٦٨م، حتى عام ١٩٧١م، وبعدها اتَّجه إلى موسكو لدراسة التصوير السينمائي، والعمل على صناعة الأفلام. ثم عاد إلى القاهرة عام ١٩٧٤م في عهد الرئيس «السادات»، وتَفرَّغ للكتابة الحُرة كليًّا عام ١٩٧٥م. تَميَّز إنتاج «صنع الله إبراهيم» الأدبي بالتوثيق التاريخي، والتركيزِ على الأوضاع السياسية في مصر والعالَم العربي، فضلًا عن سرده الكثيرَ من حياته الشخصية. ومن أشهر أعماله: رواية «شرف» التي تحتلُّ المرتبةَ الثالثة ضمن أفضل مائة رواية عربية، و«اللجنة»، و«ذات»، و«الجليد»، و«نجمة أغسطس»، و«بيروت بيروت»، و«النيل مآسي»، و«وردة»، و«العمامة والقبعة»، و«أمريكانلي»، وغيرها من الأعمال الأدبية التي تحظى بمكانة متميزة في عالَم الأدب. أُثِير حولَه الكثيرُ من الجدل بسبب رفضِه استلامَ «جائزة الرواية العربية» التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة، عام ٢٠٠٣م. نال العديدَ من الجوائز العربية المهمة، مثل «جائزة ابن رشد للفكر الحر» عام ٢٠٠٤م، و«جائزة كفافيس للأدب» عام ٢٠١٧م.