في «قصة طروادة» يَروي الكاتبُ «دريني خشبة» ملخَّصًا ممتعًا ﻟ «الإلياذة» و«الأوديسة». بالرغمِ من اختلافِ المؤرِّخينَ حول الشاعرِ العبقريِّ «هوميروس»، فإنَّ أعمالَه الخالدةَ لم يَختلفْ عليها أيٌّ من مُحبِّي الفنِّ الإغريقي، الذي يَختلفُ بدورِه ويَتميَّزُ عن كلِّ ما سبقَه وما تلاه من فنون. يُقدِّمُ الكاتبُ في هذا الكتابِ خُلاصةً وافيةً وممتعةً لعَملَين خالدَين استكثرَ المؤرِّخونَ أن يُنتجَهما عقلٌ بشريٌّ واحد، لِما يَحتويانِه من إنتاجٍ ضخمٍ وما يَتجلَّى فيهما من مَوهبةٍ كبيرةٍ جَعلَت منهما خيرَ مُمثِّلٍ لنِتاجِ أُمةٍ بأسرِها؛ وهما مَلحمَتا «الإلياذة» و«الأوديسة». ويُثبِتُ الكاتبُ كذلك أن «هوميروس» هو المُؤلِّفُ الحقيقيُّ لهاتَينِ المَلحمَتَين، وأنه قد نظَمَهما لغرضِ التلاوةِ والإنشادِ في المَحافلِ ومَجامعِ السَّمر، ولربما لم يَتوقَّعْ إبَّانَ تأليفِهما أن يَصيرَ لهما كلُّ هذا الصدى والرنينِ عَبْر القُرون.
دريني خشبة: كاتبٌ مَسرحيٌّ ومترجمٌ مِصري، يَعُدُّه المُتخصِّصون في مجالِ المسرحِ الأبَ الروحيَّ للدراساتِ المسرحية. وُلِد «محمد الدريني بن سيد بن يوسف خشبة» في عامِ ١٩٠٣م بقريةِ شربين؛ إحدى قُرى محافظةِ الدقهلية. تَعلَّمَ بمدارسِ محافظةِ المنصورةِ حتى حصلَ على البكالوريا عامَ ١٩٢٢م، ثم بدأَ في دراسةِ الحقوقِ بالقاهرةِ ولكنْ حالَ دونَ إكمالِه دراستَه فيها ظروفُ أُسرتِه، فتَركَها ولجأَ إلى التثقيفِ الذاتيِّ وراحَ يَقرأُ بشكلٍ مُكثَّفٍ في الأدبِ العالَمي. في البدايةِ درَّسَ اللغةَ الإنجليزيةَ بمدرسةٍ من مدارسِ الجمعيةِ الخيريةِ الإسلاميةِ عامَ ١٩٢٣م، ثم انتقلَ بين مدارسَ مختلفةٍ في محافظاتِ مِصر، مثلَ المَحلةِ الكبرى وأسيوط، حتى عامِ ١٩٣٦م، وبجانبِ التدريسِ كان يُترجِمُ لبعضِ الصحفِ كجريدتَي «اللواء» و«الأخبار»، ويَكتبُ المقالاتِ في الصحفِ والمجلَّات. وقد تبنَّاه بعدَ ذلك «طه حسين» وعيَّنَه بإدارةِ الترجمةِ بوزارةِ المَعارفِ العُموميةِ عامَ ١٩٤٢م، كما كان عضوًا في أقسامِ الترجمةِ وفَحصِ الكُتبِ والألفِ كتابٍ بإدارةِ الثقافةِ العامة. عُيِّن مُحاضرًا في «معهد الدراسات المسرحية» لمادةِ الأدبِ المسرحيِّ وتاريخِ المسرحِ في عامِ ١٩٤٤م. وكان مُنتدَبًا للعملِ رئيسًا لتحريرِ مجلةِ «المجتمع الجديد» لفَترتَينِ قبلَ ثورةِ يوليو وبعدَها. تُعَدُّ كُتبُ «دريني خشبة» من أهمِّ ما كُتِب في المسرحِ العربي، وكتابُه «أشهر المذاهب المسرحية» يُدرَّسُ في أكاديمياتِ وكلياتِ الآدابِ والفنونِ الجميلةِ بكلِّ الدولِ العربية. وقد تَرجمَ المجلدَ الأولَ من «تاريخ المسرح في ثلاثة آلاف سنة» للكاتبِ «شلدون تشيني»، الذي يُعَدُّ مَرجِعًا لكلِّ فنونِ المسرحِ وبنائِه وخلفيتِه وعناصرِه عبر التاريخ. بالإضافةِ إلى ذلك فإن مشارَكةَ «دريني خشبة» في ترجمةِ روائعِ الأساطيرِ اليونانيةِ مثل «الإلياذة» و«الأوديسة»، وروائعِ كلاسيكياتِ الأدبِ الروسيِّ لكُتابٍ مثل «مكسيم جوركي» و«أنطون تشيخوف» و«ليو تولستوي»، فضلًا عن لُغتِه الساحرةِ في الترجمة؛ جَعلَت من اسمِه علامةً بارزة. وبهذا يُعَدُّ «دريني خشبة» واحدًا من أهمِّ رموزِ المسرحِ المصريِّ والعربيِّ في العصرِ الحديث؛ فقد نهضَ بالمسرحِ نهضةً تعليميةً أكاديميةً هي التي أتاحَت لجيلٍ كاملٍ أن يَتعلَّمَ أصولَ المسرح. وقد تُوفِّي عامَ ١٩٦٥م تاركًا وراءَه هذا التراثَ الفكريَّ القيِّم.