«قال سونبين: لا يغترُّ في ساحة المعارك إلا قائدٌ جاهل غيرُ بصير، ولا يَتيه صلَفًا إلا قائدٌ جبان … إن مَن أعوزَته التجرِبةُ والعلم وفنون القتال، لا بد سيعلِّق كلَّ آمال النصر على المصادَفات.»اتَّسم الشعب الصيني عَبْر تاريخه بالبأسِ والصلابة، وخاض الكثير من المعارك والحروب، كما اتَّسم الفكر الصيني برصيدٍ فلسفي ثَرِي، قدَّم رؤية عميقة للحياة بعيدًا عن غياهب ما وراء الطبيعة، وكانت الفلسفة والقتال أهم علامتَين بارزتَين تميَّزَ بهما التاريخ الصيني، وكان من الطبيعي أن يخرجَ من بين الصينيِّين حكماءُ يتناولون تكتيكات الحرب ويؤسِّسون لمبادئها، فيقدِّمون الكثيرَ من المدونات العسكرية التاريخية التي تُعَد جزءًا أصيلًا من الفكر الصيني، ومن أهمِّها الكتابُ التراثي الذي بين أيدينا، والذي أرسى فيه «سونبين» الكثيرَ من أصول وقواعد الحرب وفنون القتال، مثل التحصينات، وكيفية التصرُّف في حالة تعذُّر الاتصال بالقوات، أو قلة عددها وعُدَّتها، مؤكِّدًا ضرورة انتقاء القوات الأصلح للقتال، والتحلِّي بالشجاعة، شارحًا أسبابَ النصر.
سونبين: قائدٌ عسكري صيني فَذ، أَجبَر خَصمَه على الانتحار، وألَّف واحدًا من أهم الكتب الصينية التراثية المهمة الخاصة بفنون القتال. لم يُعرَف بالتحديد تاريخُ ميلاده أو وفاته، لكنَّ الأرجحَ أنه عاش في القرن الرابع قبل الميلاد. درس فنونَ القتال والحرب في سِنٍّ مبكِّرة، وتَتلمَذ على يدِ الفيلسوف الصيني الشهير «كويكوتزي». كان زميله في الدراسة «بانشيوان» يكنُّ له العداء، وعندما كَبُر زميله هذا وتولَّى وظيفةً مرموقة في جيش دولة «وي»، وهي إحدى الدُّوَيْلات الصينية القديمة، كان كُرْهه ﻟ «سونبين» وغيرته منه لا يزالان يملآن قلبه، فأرسل إليه يطلبه، وعندما ذهب إليه «سونبين» سجَنه وعذَّبه وانتزع ركبتَيْه، وكان هذا سببًا في أن يحمل لقبَ «الأعرج»، لكنه تَواصَل سِرًّا من محبسه مع رسولٍ من دولة «تشي»، واستطاع أن يهرب إليها، وهناك لقي ترحيبًا جمًّا من قِبَل قائدها العام «تيانجي» الذي أحسَنَ استقبالَه وأكرَمَ وِفادتَه. حَظِي «سونبين» بمكانةٍ عظيمة في دولة «تشي» بسبب ذكائه الشديد وسَداد رأيه، وكان يُلازِم «تيانجي» في رحلات الصيد، كما كان خيرَ مستشارٍ له في أمورِ الحرب، فبفضله استطاعت دولة «تشي» أن تنتصر في العديد من المعارك، حتى خاضت معركةً مهمة ضد دولة «وي» التي كان يَقُود جيشَها صديقُ «سونبين» القديمُ «بانشيوان»، وبفضل نصائحه استطاع فريقُه الانتصارَ على الفريق الآخَر، فما كان من «بانشيوان» إلا أن قرَّر الانتحارَ بعد هزيمةِ جيشه الساحقة. دَوَّن «سونبين» خِبرتَه العسكرية والقتالية في كتابه الشهير «فن الحرب» الذي اكتُشِف عام ١٩٧٢م بفضلِ التنقيبات الأثرية.