«إنه ثَورٌ أصابه سُعار الذئاب المفترسة يريد أن يحطِّم الحياةَ من حوله، ولكن لأنه ضئيلُ القَدْر، هيِّنُ الشأن، حقيرُ النفس، وضيعُ الفكر؛ لم يُحطِّم إلا نفسه.»مجموعةٌ من «الصور القلمية» بتعبير الأديب الكبير «ثروت أباظة»، يرسم فيها صورًا رمزية للعديد من الشخصيات، ويُعدِّد مَعايبهم ويَلمِز الظالمَ منهم؛ فمِن زعيم الوهم التائه بعظَمته المتخيَّلة، إلى القوَّاد الذي يصل أعلى المراتب بما يَعلمه من أسرار، ويمُر بالبهلوان الذي يسعى إلى المال بإهدارِ كرامته وعِزة نفسه، لكنه يرسم كذلك صورًا لأجمل لحظات الوفاء والبِر والرحمة عندما تَتجسَّد في هيئةِ بشر، ويحكي قصصًا وحكايات عن أصدقاءَ وغرباءَ تجسَّدَت فيهم كلُّ القِيَم السامية. هذه الصور وغيرها إنما هي روايةٌ بغيرِ راوية؛ رواية عن النفاق والتسلُّق والسعي إلى المال والسلطة ببذل النفس والكرامة والروح، وكذلك رواية عن عالَم الروح والقِيَم والمبادئ، الذي ما انقطع من الدنيا قَط.
ثروت أباظة: روائيٌّ وكاتبٌ مصريٌّ مرموق، عُرِفَ بحِسِّه الوَطَني، ويَنتسبُ إلى عائلةٍ مصريةٍ عريقةٍ هي عائلةُ أباظة، وهو ابنُ السياسيِّ المصريِّ إبراهيم دسوقي أباظة. وُلِدَ «محمد ثروت إبراهيم دسوقي أباظة» بالقاهرةِ عامَ ١٩٢٧م. حصلَ على ليسانس الحقوقِ من جامعةِ فؤادٍ الأولِ عامَ ١٩٥٠م. كانتْ بدايةُ حُبِّه للقِراءةِ عندما أهداهُ والِدُه مجموعةً من مُؤلَّفاتِ الكاتبِ المصريِّ «كامل كيلاني»، ثُمَّ قرَأَ تِباعًا أعمالَ طه حُسَين، وتَوْفيق الحَكِيم، وعبَّاس العقَّاد، وأحمد شَوْقي. تعدَّدَ إنتاجُ ثروت أباظة الأدبيُّ وتنوَّعَ ليشملَ الروايةَ والقصةَ القصيرةَ والمَسْرحيَّة، إضافةً إلى ترجمتِه أكثرَ من عملٍ، وكتابةِ عدةِ بحوثٍ أدبيَّة. ارتبطَ بعَلاقاتٍ وثيقةٍ مع كُتَّابِ وأدباءِ مصرَ الكِبار؛ فقدْ قدَّمَ له عميدُ الأدبِ العربيِّ طه حُسَين روايته «هارِب من الأيام»، وأَثْنى عليهِ نجيب محفوظ حينَ قالَ عنه: إنَّ دورَهُ في الروايةِ الطويلةِ يحتاجُ إلى بحثٍ مُطوَّلٍ بعيدًا عَنِ المَذاهبِ السياسيَّة، وقالَ توفيق الحكيم له ذاتَ مرةٍ: أنا مُعجَبٌ برِواياتِكَ في الإذاعة، لدرجةِ أنَّني حينَ أقرأُ في البَرْنامجِ أنَّ لكَ رِوايةً أمكثُ في البيتِ ولا أخرُج. أثارتْ رِوايتُه «شيء من الخوف» جدَلًا واسعًا لقولِ بعضِ المقرَّبِينَ مِنَ الرئيسِ المِصريِّ الراحلِ جمال عبد الناصر إنَّها تَحملُ رمزيةً لفترةِ حُكمِه. تَقلَّدَ ثروت أباظة عدَّةَ مَناصبَ رسميةٍ من أهمِّها: رئيسُ تحريرِ مجلةِ الإذاعةِ والتلفزيونِ عامَ ١٩٧٥م، ورئيسُ اتحادِ كتَّابِ مصر، وحصل على عدة جوائز من بينها جائزةُ الدولةِ التشجيعيَّة عامَ ١٩٥٨م، ووِسامُ العلومِ والفنونِ من الطبقة الأولى، وفي عامِ ١٩٨٣م حصلَ على جائزةِ الدولةِ التقديريةِ عن مُجمَلِ أعمالِه. تُوفِّيَ ثروت أباظة عامَ ٢٠٠٢م.