«يقول الشاعر الإنجليزي وليام وردزورث إن هناك «واحاتٍ زمنيةً» في وجودِ كلِّ إنسان يَرتادها المرةَ بعد المرة ليرويَ عطشَ خياله، ويَتبرَّد من هَجير الحياة، وحينما صدَمَته انتكاسةُ الثورة الفرنسية، كان يختلف إلى تلك الواحات حينًا فحينًا، وكثيرًا ما كان يجدُ فيها العزاءَ والسَّلوى؛ لأنه كان يرى فيها الإنسانَ في مرحلة البراءة قبل أن تَطحَنه أضراسُ التجرِبة.»يضم هذا الكتابُ باقةً من أمتع المقالات التي كتَبها الأديب والمترجم الكبير «محمد عناني»، في الفترة من عام ١٩٨٦م إلى عام ١٩٩٢م بجريدة «الأهرام» في عمود «أسبوعيات» الذي كتَب فيه الكثيرُ من الأقلام اللامعة والمستنيرة. وبالرغم من تنوُّعِ موضوعات هذه المقالات، فإنها تدور حول الحركة الأدبية بشكلٍ عام، والإنسان بشكل خاص؛ لكونه المنتِجَ الأساسيَّ للأدب، والمتلقِّيَ له في الوقت نفسِه، وقد ناقَش «عناني» فيها الكثيرَ من القضايا المهمة المطروحة على الساحة الأدبية آنذاك، والمناخ الاقتصادي والثقافي السائد في تلك الفترة. ومن أبرز هذه المقالاتِ المجموعةُ التي تَحدَّث فيها عن صفة العالمية، وتساؤله حول اقتصار هذه الصفة على الدول الكبرى فقط، أو الاستعمارية بالأخص، كما تَحمل هذه المجموعةُ مقالةَ رثائه لأستاذه «لويس عوض»، التي جاءت مُفعَمةً بالحب والتفاصيل الإنسانية التي جمَعَتهما.
محمد عناني: مُبدِع مصري موسوعي، كتب في الشعر والمسرح والنقد الأدبي، لكن مشروعه الأكبر كان في الترجمة؛ فأبدع فيها حتى استحقَّ لقب «شيخ المُترجِمين». وُلد «عناني» في مدينة رشيد بمحافظة البحيرة عام ١٩٣٩م. حصل على درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة القاهرة عام ١٩٥٩م، ثم على درجة الماجستير من جامعة لندن عام ١٩٧٠م، وعلى درجة الدكتوراه من جامعة ريدنغ عام ١٩٧٥م، ثم على درجة الأستاذية عام ١٩٨٦م. عمل مُراقِبَ لغةٍ أجنبية بخدمةِ رصد «بي بي سي» في الفترة من عام ١٩٦٨م إلى عام ١٩٧٥م، ثم محاضرًا في اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة منذ عام ١٩٧٥م، ورئيسًا لقسم اللغة الإنجليزية بالجامعة بين عامَي ١٩٩٣م و١٩٩٩م. وطوال مَسيرته التدريسية بالجامعة تَخرَّج على يدَيه عشراتُ الآلاف من الطلاب، وأشرف على مئات الرسائل الجامعية. اتَّسم الإنتاجُ الأدبي ﻟ «عناني» بالتنوُّع، فجمع بين التأليف والترجمة والنقد الأدبي؛ فمن بين أعماله المُؤلَّفة: «السجين والسجَّان»، و«السادة الرعاع»، و«جاسوس في قصر السلطان». أما مُؤلَّفاته العلمية في الترجمة والنقد الأدبي فمنها: «الترجمة الأسلوبية»، و«النقد التحليلي»، و«التيارات المعاصرة في الثقافة العربية»، و«الترجمة الأدبية بين النظرية والتطبيق». أما أعماله المُترجَمة فأهمها ترجمته لتراث «شكسبير» المسرحي بأكمله، وبعض أعمال «إدوارد سعيد» مثل: «الاستشراق وتغطية الإسلام»، و«المثقف والسلطة»، فضلًا عن أعمال أخرى مثل: «الفردوس المفقود»، و«ثلاثة نصوص من المسرح الإنجليزي». كما ساهَم في ترجمة الكثير من المُؤلَّفات العربية إلى الإنجليزية، وعلى رأسها مُؤلَّفات «طه حسين»، ودواوين ومسرحيات شعرية لكلٍّ من «صلاح عبد الصبور»، و«عز الدين إسماعيل»، و«فاروق شوشة». نال العديدَ من الجوائز؛ منها: «جائزة الدولة في الترجمة»، و«وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى»، و«جائزة الدولة في الآداب»، و«جائزة الملك عبد الله الدولية في الترجمة»، و«جائزة رفاعة الطهطاوي في الترجمة»، وغير ذلك من الجوائز العربية والمصرية المتميزة. توفي ٣ يناير ٢٠٢٣م.