مَن منَّا لم يُفكر في تلك اللحظة التي ستفارق فيها أرواحُنا أجسادَنا؟ مَن منَّا لم يتساءل: بماذا سنشعر بالضبط؟ وأين سنذهب؟ وما الذي سنراه؟ جاءت رسائل السماء لتُجلِّي القليلَ من ذاك الغموض، وتُطمئِن أرواحًا مُؤمِنة بأن مآلها إلى عالم آخَر، يختلف الكثيرُ من مَعالمه وأحداثه عما اعتدناه؛ تلك المعالم التي حفَّزَت المبدعين والأدباء لتَخيُّل المزيد، وصُنع أحداثهم المتفردة المستوحاة منها، ومن وحي مَخاوفهم وأحلامهم وأنواء خيالهم. بين أيدينا اليومَ واحدٌ من تلك الأعمال الإبداعية التي تُناقِش هذا الأمر، صاغه «شكري الخوري» في صورة رسائلَ متبادَلة بين صديقَين؛ أحدهما ميت والآخَر حي، يحكي فيها كلٌّ منهما للآخَر عن عالَمه؛ فيصف الميتُ للحيِّ ما رآه في عالَمه، مارًّا بما يُسمَّى «أرض الهناء»، وما شَهِده في «مكان القِصاص»، بينما يقص الحيُّ على الميت ما صارت إليه أحوالُ الدنيا والناس بعدما فارقهما؛ وذلك بأسلوبٍ مُشوِّق ولغةٍ سَلِسة بسيطة، اختلطَت فيها العاميةُ الشامية بالعربية الفصحى.
شكري الخوري: صحفي وأديب لبناني. ولد شكري عبد الله الخوري في مدينة «بكفيا» بجبل لبنان لأسرة من الموارنة في سنة ١٨٧٠م. وقد تعلم بها حتى هاجر وهو في السادسة والعشرين من عمره إلى «البرازيل»، حيث استقر بمدينة «سان باولو». أصدر الخوري جريدة «الأصمعي» أثناء إقامته بالبرازيل وظلت تصدر لمدة عام ونصف، ثم انتقل إلى «الأرجنتين» وهناك أصدر جريدة «الصبح» لمدة عام واحد وكانت أولى الجرائد العربية التي تصدر بالأرجنتين. ثم عاد مجددًا للبرازيل، حيث أصدر جريدة «أبو الهول» وظل يكتب بها حتى آخر حياته. بجانب حب الخوري للعمل الصحفي كتب كذلك بعض القصص القصيرة بالعامية، كما ألف بعض الكتب في القضية اللبنانية وانتقد فيها الطائفية والفساد الاجتماعي. وله قصة ساخرة شهيرة «التحفة العامية في قصة فنيانوس»؛ صور فيها أحوال المجتمع اللبناني بشكل فكاهي، كذلك عُين معتمدًا (سفيرًا) للبنان في «سان باولو» في سنة ١٩٢٧م تقديرًا لخدماته لأبناء وطنه من المهاجرين. توفي شكري الخوري في سنة ١٩٣٧م.