«عادت الأيام الحلوة من تاني، وعاد خطَّاب أفندي إلى الواجهة ولكن في ثوبٍ قشيب. خطَّاب أفندي لم يَعُد هو الأفندي الجربان المقشف الذي عرفه الناس من قبل، ولكنه صار من الأعيان يملك أرضًا في ريف الجيزة، وله أصهار يأكلون اللحمة نيَّة، وهو لم يَعُد مجرد رقم في حزب السلطة، ولكنه أصبح دينامو الاتحاد الاشتراكي في الجيزة.»تتميَّز «قهوة كتكوت» بتنوُّع روَّادها؛ إذ يرتادها في الصباح الباكر كَتَبة المحامين والفلَّاحون الذين ينتظرون النظر في قضاياهم، وفي الظهيرة يأتي إليها طَلَبة الجامعات، وفي المساء يتوافد عليها الموظَّفون، أمَّا الأدباء والشعراء والصحفيون فكانوا يسهرون في القهوة من منتصف الليل حتى الفجر. هذا التنوُّع جعل من القهوة نموذجًا مصغَّرًا لمصر؛ فالمتأمِّل لحالها وأحوال روَّادها يدرك حالَ مصر والمصريين، وهذا ما أبدع في نقله الكاتبُ الكبير «محمود السعدني» الذي كان يتردَّد على القهوة بانتظام، ويتقرَّب إلى روَّادها، فيستمع إلى أنَّاتهم وأحلامهم، ويشاركهم ضحكاتهم وعَبَراتهم، وكانت حصيلة ذلك فيضًا زاخرًا من الحكايات التي دوَّنها بين دفتَي هذا الكتاب.
محمود السعدني: صحفيٌّ مصري، ورائد من روَّاد الكتابة الساخرة في الوطن العربي، شارَك في تحريرِ العديد من الصُّحف والمجلات وتأسيسِها، سواء داخل مصر أو خارجها. وُلد «محمود عثمان إبراهيم السعدني» في محافظة المنوفية عام ١٩٢٧م. امتهن الصحافةَ فور تخرُّجه في الجامعة، وعمل في العديد من الجرائد والمجلات الصغيرة، ومنها مجلة «الكشكول» التي كان يُصدِرها «مأمون الشناوي»، كما عمل بالقطعة في جريدتَي «المصري» و«دار الهلال». بدأ عمله الصحفي في جريدة «الجمهورية» عقِبَ اندلاعِ ثورة يوليو ١٩٥٢م التي كان من مؤيِّديها، وكانت هذه الجريدة حينذاك لسانَ حالِ الثورة، واستمرَّ عمله بها لسنواتٍ قبل أن يُستغنى عنه مع العديد من زملائه، فانتقل بعد ذلك ليتولَّى إدارةَ مجلة «روز اليوسف»، كما تولَّى رئاسةَ تحريرِ مجلة «صباح الخير» المصرية. اشتُهِر بكتاباته الصحفية الساخرة ونقده اللاذع، وقد تعرَّض للسَّجْن بسبب كتاباته الساخرة عن الرئيس أنور السادات؛ حيث نُسِبت إليه تهمةُ الاشتراك في محاوَلات الانقلاب على حكم الرئيس فيما عُرِف آنذاك ﺑ «ثورة التصحيح» عام ١٩٧١م، وظلَّ بالسجن عامَين حتى أُفرِج عنه بعفوٍ رئاسي، ولكنه مُنِع تمامًا من مزاوَلة مهنة الصحافة داخل مصر، فاضطرَّ إلى الخروج من البلاد وسافَر إلى أكثر من دولة، ومنها لندن حيث أصدَر بها مجلة «٢٣ يوليو» الساخرة، التي حقَّقت نجاحًا كبيرًا في الوطن العربي، لكنه قرَّر العودة مرةً أخرى إلى مصر بعد موت الرئيس أنور السادات عام ١٩٨٢م، وعاد إلى عمله الصحفي مرةً أخرى. قدَّم للمكتبة المصرية والعربية العديدَ من الأعمال الأدبية المتميِّزة والمتنوِّعة، ومن أهمها: «مسافر على الرصيف»، و«الموكوس في بلاد الفلوس»، و«وداعًا للطواجن»، و«رحلات ابن عطوطة»، و«أمريكا يا ويكا»، و«حمار من الشرق»، و«قهوة كتكوت» وغيرها الكثير. فارَق «محمود السعدني» الحياةَ في عام ٢٠١٠م عن عمرٍ ناهز ٨٢ عامًا، تارِكًا وراءَه إرثًا كبيرًا من الأعمال الأدبية التي ستظلُّ تحظى بتقديرٍ وإعجابٍ كبيرَين.