«وفجأةً التقَت بمسدس مُلقًى في الدُّرج، ونظرَت إليه طويلًا، وكأنها لا تُصدِّق أن هذه الآلة الصغيرة تقتل وتقطع حياةَ إنسانٍ ضخمٍ يملأ الحياة، ويروح ويجيء ويتكلم، وقد يكون ذا سلطان فهو يتحكم في نفوس البشر، فهذا يعيش وهذا لا يجد العيش. نظرَت إلى المسدس الصغير؛ كيف تستطيع هذه الآلة الصغيرة التي تُشبه اللعبة، بل هي أدنى إلى فكرة اللعب، أن تجتثَّ حياةَ إنسانٍ من بين أهله وذَوِيه؟!» جمع «ثروت أباظة» في هذه المجموعة القصصية باقةً من أجمل القصص القصيرة التي أضفى عليها بساطةَ الأسلوب ووضوحَ الفكرة وعُمقَ المعنى، فراح يتنقَّل بنا عبر الكثير من التجارب الإنسانية المختلفة، ويُسلط الضوءَ على رد فعل الإنسان تجاه ما يتعرَّض له من مواقفَ هي اختبارٌ لقناعاته، فضلًا عن التنوُّع المكاني في المجموعة القصصية بين حياة سُكان المدينة وعوالمهم، وبين حياة سُكان القرية وتفاصيل العادات والتقاليد الريفية التي تَطغى على قراراتهم؛ فيروي لنا المؤلف قصة «ناهد» التي أمسكت مسدسًا بيدها لأول مرة تاركةً قِيادَها لمشاعرها تُوجِّهها، والست «عائشة» التي تنقَّلت بين منازل الأثرياء لتبيع لسيدات هذه الطبقة الأثوابَ والزينة، و«عبد الباقي» أفندي الذي تدفعه زوجتُه إلى بيع البقرة حتى يُغطي تكاليفَ شُوَار ابنته «وهيبة»، وغير ذلك من العوالم الغنية بتفاصيل الحياة اليومية المثيرة.
ثروت أباظة: روائيٌّ وكاتبٌ مصريٌّ مرموق، عُرِفَ بحِسِّه الوَطَني، ويَنتسبُ إلى عائلةٍ مصريةٍ عريقةٍ هي عائلةُ أباظة، وهو ابنُ السياسيِّ المصريِّ إبراهيم دسوقي أباظة. وُلِدَ «محمد ثروت إبراهيم دسوقي أباظة» بالقاهرةِ عامَ ١٩٢٧م. حصلَ على ليسانس الحقوقِ من جامعةِ فؤادٍ الأولِ عامَ ١٩٥٠م. كانتْ بدايةُ حُبِّه للقِراءةِ عندما أهداهُ والِدُه مجموعةً من مُؤلَّفاتِ الكاتبِ المصريِّ «كامل كيلاني»، ثُمَّ قرَأَ تِباعًا أعمالَ طه حُسَين، وتَوْفيق الحَكِيم، وعبَّاس العقَّاد، وأحمد شَوْقي. تعدَّدَ إنتاجُ ثروت أباظة الأدبيُّ وتنوَّعَ ليشملَ الروايةَ والقصةَ القصيرةَ والمَسْرحيَّة، إضافةً إلى ترجمتِه أكثرَ من عملٍ، وكتابةِ عدةِ بحوثٍ أدبيَّة. ارتبطَ بعَلاقاتٍ وثيقةٍ مع كُتَّابِ وأدباءِ مصرَ الكِبار؛ فقدْ قدَّمَ له عميدُ الأدبِ العربيِّ طه حُسَين روايته «هارِب من الأيام»، وأَثْنى عليهِ نجيب محفوظ حينَ قالَ عنه: إنَّ دورَهُ في الروايةِ الطويلةِ يحتاجُ إلى بحثٍ مُطوَّلٍ بعيدًا عَنِ المَذاهبِ السياسيَّة، وقالَ توفيق الحكيم له ذاتَ مرةٍ: أنا مُعجَبٌ برِواياتِكَ في الإذاعة، لدرجةِ أنَّني حينَ أقرأُ في البَرْنامجِ أنَّ لكَ رِوايةً أمكثُ في البيتِ ولا أخرُج. أثارتْ رِوايتُه «شيء من الخوف» جدَلًا واسعًا لقولِ بعضِ المقرَّبِينَ مِنَ الرئيسِ المِصريِّ الراحلِ جمال عبد الناصر إنَّها تَحملُ رمزيةً لفترةِ حُكمِه. تَقلَّدَ ثروت أباظة عدَّةَ مَناصبَ رسميةٍ من أهمِّها: رئيسُ تحريرِ مجلةِ الإذاعةِ والتلفزيونِ عامَ ١٩٧٥م، ورئيسُ اتحادِ كتَّابِ مصر، وحصل على عدة جوائز من بينها جائزةُ الدولةِ التشجيعيَّة عامَ ١٩٥٨م، ووِسامُ العلومِ والفنونِ من الطبقة الأولى، وفي عامِ ١٩٨٣م حصلَ على جائزةِ الدولةِ التقديريةِ عن مُجمَلِ أعمالِه. تُوفِّيَ ثروت أباظة عامَ ٢٠٠٢م.