«وإذا نظَرنا إلى الصور الإيجابية للترجمة باعتبارها إطلاقًا للطاقات، وتحريرًا للعلامة اللُّغوية حتى تدور دورتها، ونقلًا للبذور إلى تربةٍ أخرى، وإعادةَ إزهارٍ للنبات في لغةٍ قادرة على ذلك؛ وجدنا أنها تبتعد ابتعادًا شديدًا عن السلبية التي يقول بها فروست ودُعاةُ استحالة الترجمة.»كان المترجمون يمثِّلون دائمًا حلقةَ اتصالٍ حيوية تتيح للثقافات المختلفة أن تَتفاعل فيما بينها؛ ومن ثَم فإن دراسةَ الترجمة نفسها دراسةٌ للتفاعُل الثقافي. وقد كرَّس الباحثان «سوزان باسنيت» و«أندريه ليفيفير» مشروعَهما الأكاديمي للتفكير في الترجمة والكتابة عنها، والبحثِ في تاريخها، وتوسيعِ حدودِ تعريف مجال دراسات الترجمة، وضرورة التقريب بينها وبين الدراسات الثقافية. وقد جاء هذا الكتاب ليعبِّر عن مشروعهما بالتحليل والتفصيل والرصد للعناصر اللُّغوية والأدبية والثقافية لدراسات الترجمة، والتطوُّرات التي شَهِدها هذا المجال، مع ذِكر بعض النصوص المترجَمة التي تُعَد أوضحَ البيانات العملية اللازمة لدراسة مدى التفاعل الثقافي، والتأثير الذي تُحدِثه ترجمةٌ ما في ثقافةٍ من الثقافات، وكيفية إخضاع النص للثقافة القومية، وكيف يصبح المترجمون مساهمين في أبنيةٍ ثقافية معيَّنة، ومسئولين عن تكريسِ قيمٍ ثقافية على حسابِ قيمٍ أخرى.
سوزان باسنيت: ناقدة أدبية أمريكية، واسمٌ لامع في حقل الأدب المقارن، وواحدة من مُؤسِّسي دراسات الترجمة بوصفها تخصصًا مستقلًّا. وُلدت «سوزان إدنا باسنيت» في ٢١ أكتوبر ١٩٤٥م. درست اللغتَين الإنجليزية والإيطالية في جامعة مانشستر، وحصلت على البكالوريوس مع مرتبة الشرف الأولى في الآداب عام ١٩٦٨م، ثم واصَلت دراستها الأكاديمية وحصلت على درجة الدكتوراه في الفلسفة بالفرنسية من جامعة لانكستر عام ١٩٧٥م. بدأت «باسنيت» حياتَها الأكاديمية بالعمل محاضِرةً بجامعة روما في الفترة من عام ١٩٦٨م حتى عام ١٩٧٢م، ثم عادت إلى إنجلترا وعملت محاضِرةً بجامعة لانكستر في الفترة من عام ١٩٧٢م حتى عام ١٩٧٦م، وفي هذا العام التحقَت بجامعة وارويك وظلت بها حتى عام ٢٠١٦م. وفي عام ١٩٨٥ أنشأت مركز الترجمة والدراسات الثقافية المقارنة. تولَّت «باسنيت» العديدَ من المناصب الأكاديمية، أبرزها منصبُ نائب رئيس جامعة وارويك، الذي شغلَته مرتَين؛ الأولى من عام ١٩٩٧م حتى ٢٠٠٣م، والثانية من عام ٢٠٠٥م حتى ٢٠٠٩م. كما شغلت منصبَ أستاذ الأدب المقارن بجامعة جلاسكو منذ عام ٢٠١٥م. قدَّمت العديد من الكتب الأكاديمية التي تؤسِّس لدراسات الترجمة باعتبارها تخصصًا مستقلًّا، والتي تدور حول فكرة تجاوُز الأدبِ المقارن المركزيةَ الأوروبية التي همَّشت الآدابَ غير الأوروبية، ومن أبرز أعمالها «بناء الثقافات: مقالات عن الترجمة الأدبية» بالاشتراك مع «أندريه ليفيفر». أندريه ليفيفر: أكاديميٌّ أمريكي من أصل بلجيكي، وواحدٌ من الأسماء اللامعة في دراسات الترجمة في الغرب؛ إذ يُعَد أحدَ مؤسَّسي دراسات الترجمة بوصفها تخصُّصًا مستقلًّا. وُلد «أندريه ألفونس ليفيفر» عام ١٩٤٥م. تخرَّج في جامعة غينت عام ١٩٦٨م، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة إسكيس عام ١٩٧٢م، وعمل أستاذًا للدراسات الجرمانية في جامعة تكساس في أوستن. بجانب عمله الأكاديمي، أَسهَم «أندريه ليفيفر» في الدراسات الأدبية المقارنة، ودراسات الترجمة على وجه الخصوص، ووضَعَ نظريةً في الترجمة تقوم على أساس اعتبار الترجمة شكلًا من أشكال الكتابة المنتجة المرتبطة بمجموعة من القيود الأيدلوجية والسياسية داخل النظام الثقافي للُّغة المستهدَفة، وهو ما اعتُبِر طفرةً حقيقية في مجال دراسات الترجمة، وهي النظرية التي لخَّصت ما يُمكِن تسميته عالَم ما بعد الكولونيالية، أو التعدُّدية الثقافية. تُوفِّي «أندريه ليفيفر» عام ١٩٩٦م، بعد مُعاناةٍ شديدة مع مرض اللوكيميا.