«والذي نقصده بعبارة النقد المنهجي هو ذلك النقد الذي يقوم على منهجٍ تدعمه أسسٌ نظرية أو تطبيقية عامة، ويتناول بالدَّرس مدارسَ أدبية أو شعراء أو خُصومات، يُفصِّل القول فيها، ويَبسط عناصرها، ويُبصِّر بمواضع الجَمال والقُبح فيها.»يرى هذا الكتاب أن سبيلنا لتأسيسِ أدبٍ جيد هو وجود حركة نقدية سليمة ذاتِ إطارٍ منهجي يدرس النصوصَ موضوعيًّا، ويُميِّز بين الأساليب؛ وذلك على ضوء المناهج والنظريات النقدية الأوروبية الحديثة. وهنا ينشأ التساؤل: هل النقد الأدبي فنٌّ جديد على الثقافة العربية؟ في الحقيقة، إن العرب عرَفوا أطوارًا من النقد الأدبي ظهرَت منذ بدايات القرن الثالث الهجري، الذي وُضعَت فيه أولى التجارِب النقدية من خلال كتاب «طبقات الشعراء» ﻟ «ابن سلَّام»، فبدأت بالذَّوقي التأثُّري الذي لا يعتمد على معاييرَ ثابتة، بل يخضع لحاسَّة المتلقِّي الأدبية، وتطوَّرت ذاتيًّا خلال قرون. كما تأثَّر النقد الأدبي بالأفكار الفلسفية اليونانية، فتبلورَت مناهجه وأدواته تِباعًا؛ ليُصبح فنًّا مستقلًّا عن علوم اللغة وتاريخها.
محمد مندور: أديبٌ وصحفيٌّ مِصْري، وواحدٌ من أهمِّ النقَّادِ المُجدِّدينَ للأدبِ العربيِّ الحديث. وُلِد محمد مندور عامَ ١٩٠٧م بقرية «كفر مندور» التي تقعُ بالقربِ من «منيا القمح» بمحافظةِ «الشرقية». حصلَ على ليسانس الآدابِ عامَ ١٩٢٩م، ثم حصلَ على ليسانس الحقوقِ عامَ ١٩٣٠م، وبعدَها اختارَ أن يسافرَ في بعثةٍ دراسيةٍ إلى فرنسا عِوَضًا عن أنْ يَتمَّ تعيينُه وكيلَ نيابة، بناءً على نصيحةٍ من «طه حسين» الذي كانَ يراهُ أكثرَ قدرةً على الإبداعِ في مجالِ الأدب. وفي باريس التحَقَ بمعهدِ الأصواتِ وتخصَّصَ في دراسةِ أصواتِ اللغة، وقدَّمَ بحثًا موضوعُه موسيقى الشعرِ العربيِّ وأوزانُه. بعدَ عودتِهِ إلى مِصرَ عامَ ١٩٣٩م عيَّنَهُ «أحمد أمين» — الذي كانَ عميدًا لكليةِ الآدابِ في ذلكَ الوقتِ — في قسمِ الترجمة، بعدَ أنْ رفضَ «طه حسين» تعيينَهُ في قسمِ اللغةِ العربية، ولكنْ حين أُنشِئتْ جامعةُ الإسكندريةُ عامَ ١٩٤٢م قرَّرَ «طه حسين» تعيينَهُ فيها. كان «مندور» يكتبُ في النقدِ الأدبيِّ في مجلتَيِ «الثقافة» ﻟ «أحمد أمين» و«الرسالة» ﻟ «أحمد الزيات»، وكانتا أهمَّ مجلتَيْنِ ثقافيتينِ في ذلك العصر. وكانَ قد تأثَّرَ وأُعجِبَ بالآدابِ الغربية، وخاصةً الأدبَ الفرنسيَّ ومدارسَ النقدِ الفرنسيةَ بشكلٍ كبير؛ لذا فقد تَبنَّى وجهةَ نظرِها، واعتبرَها أهمَّ مدارس النقد الأدبي؛ لكونِها تعتمدُ على قراءةِ النصِّ والتأثُّرِ به ثم شرحِه، وذلك عوضًا عن أسلوبِ النقدِ السائدِ الذي كانَ يَستخدمُ قوالبَ نقديةً جاهزةً يضعُ النصَّ فيها ويُقيِّمُه على أساسِها. وبأسلوبِهِ المجدِّدِ في النقدِ كتبَ عن كبارِ الأدباءِ العرب، كما ترجَمَ رواياتِ «فلوبير» و«ألفريد موسيه». يُعَدُّ كتابُه «نماذج بشرية» من أهمِّ الكتبِ التي كانَ يُحسَبُ لها أثرُ التجديدِ في النقدِ الأدبي، وبالإضافةِ إلى كتبِهِ — التي أهمُّها «النقدُ المنهجيُّ عندَ العَرب» و«في النقدِ والأدب» — فإنَّ له العديدَ مِنَ المُحاضراتِ عن نقدِ الشعرِ والمسرح. تُوفِّيَ عامَ ١٩٦٥م.