«قالت: ما أعمقَ حكمتَكم! وما أعظمَكم من حكماء! ألغيتم الموتَ عندما سكنتم مع الموتى، أرجوك لا تصرِّح بهذه الأسرار لأحدٍ غيري … سأهزُّ العالَم عندما أُصدر كتابي عن العصر الحَميري، سأُحدِث تحوُّلًا في العالَم أخطرَ بكثيرٍ من التحوُّل الذي أحدَثه «أينشتاين» بنظرية «النسبية»، وسأدخُل التاريخ بنظرية الحَميرية!»يتسم الأدبُ الساخر بتوافر مساحةٍ أوسعَ لتوجيه النقد إلى الأوضاع داخل المجتمع، وهذا ما استغلَّه «محمود السعدني» في نقد واقع المجتمع العربي بشكلٍ عام، والمصري بشكل خاص؛ متَّخذًا من زيارته لمدينة باريس مناسَبةً لإظهار حجم التفاوت الحضاري بين المجتمعات الشرقية التي لا تزال تَرزَح تحت نِير الفقر والبطالة وسوء أوضاع الصحة والتعليم، وبين المجتمعات الغربية التي تَنعم بالديمقراطية والحرية والاهتمام بالصحة والتعليم. وفي هذا الكتاب تقمَّص «السعدني» شخصيةَ حمارٍ قادم من المجتمع الحَميري، يتحدث مع سنيورة من الغرب، ويتخلَّل الحديثَ الكثيرُ من التهكُّم والسخرية من المجتمعات الشرقية، جاعلًا من الرمز سبيلَه في تحقيق مآربه، ومن الضحك وسيلةً لتخفيف الألم الذي قد ينتابك من هذه المقارَنة، التي لا تكون في صالح مجتمعاتنا التي ما زالت تَئنُّ من سوء أوضاعها.
محمود السعدني: صحفيٌّ مصري، ورائد من روَّاد الكتابة الساخرة في الوطن العربي، شارَك في تحريرِ العديد من الصُّحف والمجلات وتأسيسِها، سواء داخل مصر أو خارجها. وُلد «محمود عثمان إبراهيم السعدني» في محافظة المنوفية عام ١٩٢٧م. امتهن الصحافةَ فور تخرُّجه في الجامعة، وعمل في العديد من الجرائد والمجلات الصغيرة، ومنها مجلة «الكشكول» التي كان يُصدِرها «مأمون الشناوي»، كما عمل بالقطعة في جريدتَي «المصري» و«دار الهلال». بدأ عمله الصحفي في جريدة «الجمهورية» عقِبَ اندلاعِ ثورة يوليو ١٩٥٢م التي كان من مؤيِّديها، وكانت هذه الجريدة حينذاك لسانَ حالِ الثورة، واستمرَّ عمله بها لسنواتٍ قبل أن يُستغنى عنه مع العديد من زملائه، فانتقل بعد ذلك ليتولَّى إدارةَ مجلة «روز اليوسف»، كما تولَّى رئاسةَ تحريرِ مجلة «صباح الخير» المصرية. اشتُهِر بكتاباته الصحفية الساخرة ونقده اللاذع، وقد تعرَّض للسَّجْن بسبب كتاباته الساخرة عن الرئيس أنور السادات؛ حيث نُسِبت إليه تهمةُ الاشتراك في محاوَلات الانقلاب على حكم الرئيس فيما عُرِف آنذاك ﺑ «ثورة التصحيح» عام ١٩٧١م، وظلَّ بالسجن عامَين حتى أُفرِج عنه بعفوٍ رئاسي، ولكنه مُنِع تمامًا من مزاوَلة مهنة الصحافة داخل مصر، فاضطرَّ إلى الخروج من البلاد وسافَر إلى أكثر من دولة، ومنها لندن حيث أصدَر بها مجلة «٢٣ يوليو» الساخرة، التي حقَّقت نجاحًا كبيرًا في الوطن العربي، لكنه قرَّر العودة مرةً أخرى إلى مصر بعد موت الرئيس أنور السادات عام ١٩٨٢م، وعاد إلى عمله الصحفي مرةً أخرى. قدَّم للمكتبة المصرية والعربية العديدَ من الأعمال الأدبية المتميِّزة والمتنوِّعة، ومن أهمها: «مسافر على الرصيف»، و«الموكوس في بلاد الفلوس»، و«وداعًا للطواجن»، و«رحلات ابن عطوطة»، و«أمريكا يا ويكا»، و«حمار من الشرق»، و«قهوة كتكوت» وغيرها الكثير. فارَق «محمود السعدني» الحياةَ في عام ٢٠١٠م عن عمرٍ ناهز ٨٢ عامًا، تارِكًا وراءَه إرثًا كبيرًا من الأعمال الأدبية التي ستظلُّ تحظى بتقديرٍ وإعجابٍ كبيرَين.