«يُولدُ المرءُ ويُولدُ معه حبُّ الحُرية. تأمَّلِ الطفلَ كيفَ يُنازعُ الأَقمِطة، ثُم كَمْ يقعُ ويقومُ في سبيلِ الانطلاق …» بهذهِ البساطةِ والبلاغةِ تميَّزَ «مارون عبود» في كتابةِ المقال، فأَثرى هذا النوعَ الأدبيَّ بعَفويتِه المعهودةِ وجَراءتِه في الطَّرح، فناقَشَ العديدَ من الأمورِ الحياتيةِ برؤيةٍ مُغايرة، ومسَّتْ تأمُّلاتُه أطرافَ الأرضِ وحدودَ السماء. وبالرغمِ من أنك قد تختلفُ معه فكريًّا، فإنك ستُفاجأُ بقُدرتِه على التعبيرِ عن عقيدتِه الخاصة، وستُصِيبُك قوةُ لحْظِه وبَراعةُ تفاصيلِه ومدى صِدقِه بدهشةٍ تصنعُ من قراءةِ نصوصِه تجرِبةً لا تُضاهَى، تتركُك مُعجبًا، ومُشبعًا بطاقةٍ إنسانيةٍ مُلهِمة. بين أيدينا سلسلةٌ من المقالاتِ جمَعَها «مارون عبود» تحت عنوانِ «سُبل ومَناهج»، تمنحُك نظرةً أقربَ لعالَمٍ خاصٍّ يَسكنُه أديبٌ مُبدِع، طرَقَ خلالَها بابَ تأمُّلِ النفسِ والآخَرِ ومُختلِفِ الكائنات.
مارون عَبُّود: رائِدُ النَّهْضةِ الأَدَبيَّةِ الحَدِيثةِ في لبنان، وهُوَ الكاتِبُ الصَّحفِي، والرِّوائيُّ الساخِر، والقَصَّاصُ البارِع، والشاعِرُ الَّذي نَظَمَ الشِّعرَ عَلى اسْتِحْياء؛ فلَمْ يَرِثِ الأَدبُ منهُ سِوى القَلِيل، وهوَ الناقِدُ الَّذي فُلَّتْ سِهامُ النُّقَّادِ أَمامَهُ إِجْلَالًا واحْتِرامًا، والمُؤرِّخُ والمَسرَحِي، وزَعِيمٌ مِن زُعَماءِ الفِكْرِ والفنِّ في العَصْرِ الحَدِيث. نالَ مارون عَبُّود العَدِيدَ مِنَ الأَوْسِمة؛ مِنْها: وِسامُ المَعارِفِ مِنَ الدَّرَجةِ الأُولى، ووِسامُ الاسْتِقلالِ مِنَ الدَّرجةِ الثَّانِية، وأَثْرى المَكْتبةَ العَرَبيةَ بالعَدِيدِ مِنَ المُؤلَّفاتِ الأَدَبيَّةِ والشِّعْريَّةِ والنَّقْديَّة؛ مِنْها: «نَقدات عابِر»، و«تَذْكار الصبا»، و«زَوَابِع». وَافتْه المَنيَّةُ عامَ ١٩٦٢م.