هل تؤمِنُ بما يُسمَّى «عِلم قراءةِ الكَف»؟ إذا كنتَ تَفعل، فإلى أيِّ مدًى يُمكِنُكَ أن تُصدِّقَ كلَّ ما يتكهَّنُ به رجلٌ قصيرٌ بدينٌ أصلعُ مُنتفخُ الوجناتِ يُحملِقُ في كفِّكَ عبرَ نظَّارتِه الكبيرةِ الذهبيةِ الإطار؟ أمَّا اللورد «أرثر سافيل» فلَم يُساوِرْ إيمانَهُ أدنى شك، وقد صدَّقَ قارئَ كفِّه مُنتَهى التَّصديق. في هذه الروايةِ التي تحبسُ الأنفاس، نَرى كيفَ تَنقلِبُ حياةُ اللورد سافيل رأسًا على عَقِب، ويَسودُّ نهارُه، ويزداد ليلُه سوادًا، وتَتراءَى له يدُه البيضاءُ ملوَّثةً بالدِّماء. وعلى الرغمِ مِن شَغفِه بخطيبتِه الجميلة، يَظلُّ اللورد البائسُ — الذي آمَنَ بخطوطِ كَفِّه أكثرَ ممَّا يجب — يُؤجِّلُ زواجَه منها، فهو يَنتظِرُ حُصولَ الجَريمة.
أوسكار وايلد: كاتبٌ أنجلو-أيرلندي، برَعَ بصفته مؤلفًا مَسرحيًّا ورُوائيًّا وشاعِرًا وباحِثًا في علمِ الجَمال، وعُدَّ أشهرَ كُتَّابِ المسرحيةِ في لندن أواخرَ القرنِ التاسعَ عشر، وما زالَتْ أعمالُه تَجتذِبُ جمهورًا كبيرًا حتَّى يومِنا هذا. وُلدَ «أوسكار فينجال أوفلارتي ويلز وايلد» عامَ ١٨٥٤م في «دبلن»، لأبوَينِ مُثقَّفَين؛ حيثُ كانتْ والدتُه شاعرةً ثَوريةً مهتمَّةً بالفُنون، وكانَ والدُه السير «ويليام وايلد» كاتبًا ورائدًا في جراحةِ الأُذنِ والعَين، وقد عُنِيا بتعليمِ ابنِهما وأَلحقاهُ بمَدرسةِ «بورتورا» الملَكية، ومنها انتقَلَ إلى جامعةِ «ترينيتي» بمنحةٍ لدراسةِ الكلاسيكيات. في حياتِه الدراسية، لم يُبدِ أوسكار وايلد حماسًا للألعابِ الصِّبيانية، وكانَ يُؤثِرُ الوَحْدةَ وقراءةَ الأدبِ الإغريقيِّ والشِّعر، وساعَدَه نُبوغُه وتفوُّقُه على الظفَرِ بمِنحةٍ لجامعةِ «أوكسفورد»، وهناكَ حظِيَ بشعبيةٍ لا بأسَ بها، وبدأتْ أشعارُه بالتدفُّقِ على صَفحاتِ المجلاتِ الأَيرلندية، وحصَدَتْ قَصائدُه الجوائز، وبحُلول سنةِ تخرُّجِه كانَ قد نالَ شُهرةً بآرائِه الثَّورية، ومظهرِه المُشاكِسِ الذي لا يُوافِقُ أذواقَ السَّوادِ الأَعظمِ مِنَ الناس. بعدَ حصولِه على درجةِ البكالوريوس مع مَرتبةِ الشرفِ الأُولى في نوفمبر ١٨٧٨م، تنقَّلَ وايلد بين دبلن ولندن وباريس، وسافَرَ إلى أمريكا ليُلقيَ بضعَ محاضَرات، وهناكَ تزوَّجَ وأنجَبَ طفلَيْن، واضطرَّتهُ المسئولياتُ إلى العملِ مُراجِعًا في مجلَّةِ «بول مول»، ثمَّ صارَ محرِّرًا لمجلةِ «عالم المرأة». وفي عامِ ١٨٨٧م كتَبَ قصتَه «شبح كانترفيل»، وبعدَها بعامٍ أصدرَ مجموعةً تحتَ عُنوان: «الأمير السعيد وقصص أخرى»، تلا ذلكَ إصدارُ روايتِهِ الشَّهِيرة «صورة دوريان جراي»، التي قُوبِلَتْ بهُجومٍ عَنيف، وأسهمتْ مسرحيتُه «مروحة الليدي وندرمير» في تدشينِ اسمِه كأحدِ أهمِّ كُتَّابِ المَسرحِ الإنجليزي. شهِدَ عامُ ١٨٩٥م ظهورَ أعمالِه «امرأة بلا أهمية»، و«الزوج المثالي»، و«أهمية أن تكون إرنست»، و«سالومي». لكنَّ الشُّهرةَ والمجدَ اللذَين حصَّلهما تلقَّيا ضربةً مُوجِعةً إثرَ تقديمِه للمُحاكمةِ بتُهمةِ «المِثْليةِ الجِنسية»، حيثُ حُكِمَ عليه بالسَّجنِ معَ الأَشغالِ الشاقَّةِ لمدَّةِ عامَيْن. ونزَحَ بعد انقضاءِ فترةِ عُقوبتِه إلى فرنسا، حيثُ ألَّفَ عَددًا من الكتبِ والقَصائد، وسرعانَ ما نالَ منه المرض، حتى لفظَ أنفاسَه الأخيرةَ في نوفمبر ١٩٠٠م في باريس.