«إنما الحكمة بنت الاختبار، تقتنيها النفس بعد الاعتبار.» بهذا البيت الشعري؛ يستهل «نجيب أشعيا» مؤلَّفه الذي بين أيدينا، ليأخذنا معه في رحلة فكريَّة ذاتيَّة بين دروب الكون وأمصاره، نغرق معه خلالها في البحث عن المعنى، ونتوَّق مثله للوصول إلى حقائق الوجود وخباياه، طالبين السُّكنى، وسعادةً لا تتأتى إلا لباحثٍ نهمٍ حصد بعد عناءٍ مبتغاه. وإذ كانت الحكاية هي الوسيلة الأقرب للنفس في السرد والتعبير، فإذا بالكاتب يصوغ أفكاره في قالب قصصي ممتع، تبدأ أحداثه بلقاء غير معتاد بين «نجيب» الذي كان يجلس حائرًا متأملًا فيما حوله، وبين أحد العابرين من دراويش الطريق، تتلاقى روحَيْهما دون سابق ميعاد ليبدآ حوارًا شيِّقًا، تتبعه رحلةٌ طويلةٌ يلتقيان فيها بـ «فريد وفريدة»، وذلك في سلسلة من الأحداث ستجتذبك لمتابعتها، ولمشاركة أبطالها نهم البحث وفضول المعرفة.
نجيب أشعيا: أديب وكاتب اللبناني، واحدٌ من أهم كُتَّاب الشام في بداية القرن العشرين، ويُعد من أوائل الكُتَّاب العرب الذين تطرَّقوا للكتابة الروائية بمنهاج فلسفي في حقبته، كما برع في كتابة المقال السياسي والاجتماعي، ونُشرت مقالاته في جرائد الأخبار والحرية والمقطم، وغيرها. من أهم مؤلَّفاته سلسلة فلسفية روائية من ثلاثة أجزاء هي: «في ظلال الحقيقة» وهو بحثٌ في حقيقة الوجود، و«ما وراء الحقيقة» وهو بحثٌ في مطابقة ومماشاة العلم لروح الأديان، و«مع الحقيقة» وهو بحثٌ في تطبيق الفروع والمظاهر على الأصل. وله كذلك كتاب يجمع عدة مقالات وخطب ألقاها في عدة مناسبات تحت عنوان «الكلمات الأربع عشرة». لم يُعلم الكثير عن حياته، إلا أنه غادر وطنه الأول «لبنان» في مقتبل عمره، ليمضي حقبةً في «مصر» التي قال عنها إنها وطنه الثاني، ونشر خلال إقامته فيها مؤلَّفه «ما وراء الحقيقة»، حيث أهداه للملك «فؤاد الأول»، ثم اختار أن يمضي بقية حياته في «النمسا» ولقَّبها بوطنه الثالث، وسافر إلى عدة دول أوروبية كان من بينها «فرنسا»، والتي اختار أن تقع فيها أحداث كتابه «مع الحقيقة». وإذ لم يُعلم الكثير عن شخصه، فستظل مؤلفاته الإبداعية ورحلته الفكرية، هي الأثر الوحيد الباقي لنا من سيرة هذا الفيلسوف المبدع، والأديب المُلهم.