يُمكِن القول بأن النقد الأدبي الحديث في العالَم العربي قد تغيَّر بشكلٍ كبير بعد أن ظهر «أنور المعداوي» على ساحته، مُسلَّحًا بثقافته الموسوعية وقراءاته المُتعمِّقة للأدب العربي القديم، ومُسلَّحًا كذلك بدرايةٍ متميزة بالاتجاهات الأدبية العالمية، استطاع هذا الشاب الصغير أن يَلفِت النظر إليه بدأبه واجتهاده، ويصطنع لنفسه منهجًا خاصًّا، فلا نُبالغ إذا قلنا إن «المعداوي» صاحبُ مدرسةٍ مميزة في النقد لها أدواتُها الخاصة في قراءة النص، وتهتم بالجانب النفسي للمبدع، وتجمع بين الفَهم العقلي والتذوق الشعوري للعمل الفني. وعلى الرغم من حياته القصيرة، فإن «المعداوي» أضاف إلى الساحة الأدبية العربية بمقالاته اللاذعة ما لا يُقاس، وقدَّم لجمهورها مواهبَ كامنةً استبصر فيها النجاح وقدَّر ما بها من أصالة، فبشَّر ﺑ «نجيب محفوظ» و«نزار قباني» وآخَرين. وكتابه الذي بين يدَيك هو أحد كُتُبه الثلاثة الهامة في النقد الأدبي، وقد عرض فيه قراءاتٍ نقديةً لفنون المسرح والرواية والقصة القصيرة في فترة الستينيات وما سبقها.
أنور المعداوي: أديبٌ وناقدٌ مصريٌّ متميز لمع في الستينيات. وُلِد «المعداوي» في عام ١٩٢٠م بإحدى قرى محافظة كفر الشيخ، وتلقَّى تعليمًا مدرسيًّا تقليديًّا، وبعد إتمامه الدراسةَ الثانوية في «المدرسة الخديوية» التحق بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول، وحصل منها على درجة الليسانس في اللغة العربية وآدابها. عمل «المعداوي» بعد تخرُّجه بوزارة المعارف، ثم كتب لأربع سنوات بمجلة «الرسالة»، التي كانت تُعَد من أهم المجلات الثقافية في العالَم العربي، وقد تألَّقَ خلال فترة عمله بالمجلة ناقدًا أدبيًّا متميزًا اتصفت كتاباته بالصراحة والعُمق. كانت الميول الأدبية ﻟ «المعداوي» قد ظهرت لديه منذ سنِّ مبكرة؛ حيث شُغِف بالشعر القديم والأدب، وعكف على كُتُب التراث ينهل منها لتتكوَّن لديه ذخيرة ثقافية موسوعية، فلم يكن مُستغرَبًا أن يتألَّق اسمه قبل أن يبلغ الثلاثين بين أوساط الأدباء الكبار الذين احتفَوا بموهبته ودعموا صعودها، وكان الناقد الكبير «سيد قطب» (قبل انخراطه في العمل السياسي) أول مَن قدَّم «المعداوي» للقُراء، ورأى فيه مستقبلَ ناقدٍ أدبيٍّ لامع. وسرعان ما اشتبك «المعداوي» في معاركَ فكريةٍ عنيفة مع أعلامٍ كبار، أمثال: «سلامة موسى»، و«العقاد»، و«طه حسين»، فلم تُرعِبه قاماتُهم الأدبية ولم تمنعه من نقدِ أعمالهم بشكلٍ موضوعي. ويبدو أن صراحة «المعداوي» لم تكن تُعجِب ذوي السُّلطة في ذلك الوقت، فضيَّقوا عليه واضطهدوه ولم يُنزِلوه منزلتَه التي يستحقها؛ فحزَّ ذلك في نفسه وأُصيب بالأمراض مبكرًا حتى تُوفِّي عام ١٩٦٥م وهو في عامه الخامس والأربعين.