«لا يُمكِن مهما قلتُ ومهما رغيت أن أصف لكم أفريكيا … ولا شيء يُمكِن أن يُطلِعك على أفريكيا أبدًا، لا الكتابة ولا الأفلام ولا التصاوير، وإنما شيءٌ واحد فقط هو الذي يستطيع أن يفعل ذلك، هو أن تأخذ ذيلك في أسنانك وتجري على أفريكيا! فهو مَنظر لو فاتك — يا عبد الله — رؤيتُه، فأنت لم يُكتَب لك المرور على دنيا الناس!»بأسلوبٍ ساخر يصل إلى حد المأساة، يروي لنا «محمود السعدني» رحلتَه الشائقة إلى بلاد أفريقيا؛ فيُحدِّثنا عن مظاهر الحياة الاجتماعية فيها، وخاصَّة ظاهرة الرقص التي تأخذ شكلًا مقدَّسًا، له قواعده ومواعيده المحدَّدة. ويروي لنا أيضًا عن الكثير من الشخصيات التي قابَلها في رحلته، مثل «الشيخ مهدي» الذي عاش في مصر عشرين عامًا ثم عاد إلى بلده غانا وروحُه عالقة بالمدَّة التي مكَثها في مصر. كما يُوغِل بنا المؤلِّف في التاريخ الاستعماري للقارة السمراء، فيحكي عن الكثير من البطولات التي سطَّرها الأفريقيون في سبيلِ حُرِّيتهم. هذا فضلًا عن مئات المواقف التي تعرَّض لها «السعدني» هناك، والتي لا تخلو من طَرافة.
محمود السعدني: صحفيٌّ مصري، ورائد من روَّاد الكتابة الساخرة في الوطن العربي، شارَك في تحريرِ العديد من الصُّحف والمجلات وتأسيسِها، سواء داخل مصر أو خارجها. وُلد «محمود عثمان إبراهيم السعدني» في محافظة المنوفية عام ١٩٢٧م. امتهن الصحافةَ فور تخرُّجه في الجامعة، وعمل في العديد من الجرائد والمجلات الصغيرة، ومنها مجلة «الكشكول» التي كان يُصدِرها «مأمون الشناوي»، كما عمل بالقطعة في جريدتَي «المصري» و«دار الهلال». بدأ عمله الصحفي في جريدة «الجمهورية» عقِبَ اندلاعِ ثورة يوليو ١٩٥٢م التي كان من مؤيِّديها، وكانت هذه الجريدة حينذاك لسانَ حالِ الثورة، واستمرَّ عمله بها لسنواتٍ قبل أن يُستغنى عنه مع العديد من زملائه، فانتقل بعد ذلك ليتولَّى إدارةَ مجلة «روز اليوسف»، كما تولَّى رئاسةَ تحريرِ مجلة «صباح الخير» المصرية. اشتُهِر بكتاباته الصحفية الساخرة ونقده اللاذع، وقد تعرَّض للسَّجْن بسبب كتاباته الساخرة عن الرئيس أنور السادات؛ حيث نُسِبت إليه تهمةُ الاشتراك في محاوَلات الانقلاب على حكم الرئيس فيما عُرِف آنذاك ﺑ «ثورة التصحيح» عام ١٩٧١م، وظلَّ بالسجن عامَين حتى أُفرِج عنه بعفوٍ رئاسي، ولكنه مُنِع تمامًا من مزاوَلة مهنة الصحافة داخل مصر، فاضطرَّ إلى الخروج من البلاد وسافَر إلى أكثر من دولة، ومنها لندن حيث أصدَر بها مجلة «٢٣ يوليو» الساخرة، التي حقَّقت نجاحًا كبيرًا في الوطن العربي، لكنه قرَّر العودة مرةً أخرى إلى مصر بعد موت الرئيس أنور السادات عام ١٩٨٢م، وعاد إلى عمله الصحفي مرةً أخرى. قدَّم للمكتبة المصرية والعربية العديدَ من الأعمال الأدبية المتميِّزة والمتنوِّعة، ومن أهمها: «مسافر على الرصيف»، و«الموكوس في بلاد الفلوس»، و«وداعًا للطواجن»، و«رحلات ابن عطوطة»، و«أمريكا يا ويكا»، و«حمار من الشرق»، و«قهوة كتكوت» وغيرها الكثير. فارَق «محمود السعدني» الحياةَ في عام ٢٠١٠م عن عمرٍ ناهز ٨٢ عامًا، تارِكًا وراءَه إرثًا كبيرًا من الأعمال الأدبية التي ستظلُّ تحظى بتقديرٍ وإعجابٍ كبيرَين.