«وأصبحَت شُهرته تشمل العالَم العربي أجمع، بل إنه تولَّى قضايا دولية خارج العالَم العربي. ولكن العجيب أنه مع كل هذا النجاح بقي له شيءٌ هامٌّ من هوايته القديمة؛ فهو يُمثِّل في كل تصرُّفٍ يعمله؛ يُمثِّل في المحكمة، يُمثِّل مع أبنائه، يُمثِّل مع أحفاده، والغريب الغريب أنه يُمثِّل مع الممثِّلة الشهيرة زوجته، وكانوا جميعًا يضحكون فيما بينهم على طريقةِ تمثيله ويزدادون له حبًّا من أجلها. لم تمر هوايته عبثًا. لقد بقي منها شيء … بقي منها شيء كثير.» بأسلوبه المميَّز يأتي لنا «ثروت أباظة» بهذه المجموعة القصصية التي استطاع من خلالها أن يرسم صورةً صادقةً عن حالة الإنسان ومشاعره ووجدانه وأفكاره وصراعاته الداخلية؛ ففي قصة «وبقي شيء» — التي اتَّخذ من اسمها عنوانًا لهذه المجموعة، والتي تحمل الكثيرَ من المعاني الجميلة عن الكفاح والمثابَرة والتغلُّب على ظروف الحياة القاسية — يُحدِّثنا كاتبنا عن حياة «بهجت»؛ الشاب الصغير الذي تَكبَّد الكثير من العناء منذ صِباه، فلم ينعَم بعيشةٍ مريحةٍ مثل رفقائه، ولم يَعِش طفولته وشبابه كما أراد، لم يَرِث شيئًا من والده سوى الفقر المُدقِع، فاضطُر إلى العمل طوال الوقت ليُؤمِّن لنفسه ولأُمه عيشةً راضية، ولم يخنع لظروفه التَّعِسة، بل كان مكافحًا ودَءُوبًا. ومرت السِّنون وصار طالبُ الحقوق قاضيًا مشهورًا مثلما أرادت أُمه، وفي الوقت نفسه لم يَغفل عن تحقيق حُلمه بالتمثيل الذي طالما أحبَّه.
ثروت أباظة: روائيٌّ وكاتبٌ مصريٌّ مرموق، عُرِفَ بحِسِّه الوَطَني، ويَنتسبُ إلى عائلةٍ مصريةٍ عريقةٍ هي عائلةُ أباظة، وهو ابنُ السياسيِّ المصريِّ إبراهيم دسوقي أباظة. وُلِدَ «محمد ثروت إبراهيم دسوقي أباظة» بالقاهرةِ عامَ ١٩٢٧م. حصلَ على ليسانس الحقوقِ من جامعةِ فؤادٍ الأولِ عامَ ١٩٥٠م. كانتْ بدايةُ حُبِّه للقِراءةِ عندما أهداهُ والِدُه مجموعةً من مُؤلَّفاتِ الكاتبِ المصريِّ «كامل كيلاني»، ثُمَّ قرَأَ تِباعًا أعمالَ طه حُسَين، وتَوْفيق الحَكِيم، وعبَّاس العقَّاد، وأحمد شَوْقي. تعدَّدَ إنتاجُ ثروت أباظة الأدبيُّ وتنوَّعَ ليشملَ الروايةَ والقصةَ القصيرةَ والمَسْرحيَّة، إضافةً إلى ترجمتِه أكثرَ من عملٍ، وكتابةِ عدةِ بحوثٍ أدبيَّة. ارتبطَ بعَلاقاتٍ وثيقةٍ مع كُتَّابِ وأدباءِ مصرَ الكِبار؛ فقدْ قدَّمَ له عميدُ الأدبِ العربيِّ طه حُسَين روايته «هارِب من الأيام»، وأَثْنى عليهِ نجيب محفوظ حينَ قالَ عنه: إنَّ دورَهُ في الروايةِ الطويلةِ يحتاجُ إلى بحثٍ مُطوَّلٍ بعيدًا عَنِ المَذاهبِ السياسيَّة، وقالَ توفيق الحكيم له ذاتَ مرةٍ: أنا مُعجَبٌ برِواياتِكَ في الإذاعة، لدرجةِ أنَّني حينَ أقرأُ في البَرْنامجِ أنَّ لكَ رِوايةً أمكثُ في البيتِ ولا أخرُج. أثارتْ رِوايتُه «شيء من الخوف» جدَلًا واسعًا لقولِ بعضِ المقرَّبِينَ مِنَ الرئيسِ المِصريِّ الراحلِ جمال عبد الناصر إنَّها تَحملُ رمزيةً لفترةِ حُكمِه. تَقلَّدَ ثروت أباظة عدَّةَ مَناصبَ رسميةٍ من أهمِّها: رئيسُ تحريرِ مجلةِ الإذاعةِ والتلفزيونِ عامَ ١٩٧٥م، ورئيسُ اتحادِ كتَّابِ مصر، وحصل على عدة جوائز من بينها جائزةُ الدولةِ التشجيعيَّة عامَ ١٩٥٨م، ووِسامُ العلومِ والفنونِ من الطبقة الأولى، وفي عامِ ١٩٨٣م حصلَ على جائزةِ الدولةِ التقديريةِ عن مُجمَلِ أعمالِه. تُوفِّيَ ثروت أباظة عامَ ٢٠٠٢م.