«أقوم كلَّ عام برحلةٍ أعتبرها تجرِبةً عملية واقعية أخوضها بنفسي وتحت مسئوليتي وعلى نفقتي الخاصة لأتعلَّم الشيءَ الكثير، بل وأقصى ما أستطيع أن أتعلَّمه، وكي يتعلَّم معي غيري ممَّن يؤمنون مثلي بأن التجرِبة الشخصية درسٌ عملي مفيد، لا يقل في أهميته عن التجرِبة التي تُجرَى داخل المعمل، مهما تكُن طبيعةُ هذا المعمل أو رسالته في الحياة.»جولةٌ سريعة تجمَع بين المتعة الذهنية والفائدة الثقافية والتسلية الروحية تَقضيها مع الأستاذ «أمين سلامة»، الذي حرص على تدوين كل ما شَهِده في رحلاته التي قام بها إلى فرنسا التي تُمثِّل مَعقِلًا خطيرًا من معاقل الحضارة الأوروبية الحديثة، وإلى إسبانيا المُفعَمة بعبير الشرق، والزاخرة بتاريخٍ عربي امتدَّ لثمانية قرون لا تزال شواهدُه موجودةً حتى الآن، فتَتجوَّل معه بعينِ جوَّالٍ يرى ويسمع ويخاطب أقوامًا من جميع الجنسيات؛ لمعرفة ما يدور بخلَدهم وخيالهم وعقولهم. كما لم يخلُ كتابه من الوصف بمختلِف فنونه؛ فلم يترك شيئًا يستحقُّ الوصف إلا وصَفه؛ فوصَف الشوارع والمباني والمتاجر والمطاعم والمقاهي والطبيعة، فضلًا عن المتاحف والقصور والمَعالم التاريخية والملاهي الليلية، بكل ما فيها من مفاتنَ وفنونٍ ومهارات وليدة العلم والتكنولوجيا الحديثَين، وتُعتبَر بحقٍّ مَفخرةً لبلدها وبهجةً للقلوب والعيون.
أمين سلامة: مُترجِم وكاتب مصري، وُلد عام ١٩٢١م بالخرطوم في السودان. ترعرع في أسرةٍ تهوى العلم، وتهتم بالدراسة الأكاديمية العلمية، بينما وجَّه هو اهتمامَه إلى الدراسة الأكاديمية الأدبية. تَخرَّج «أمين سلامة» في قسم الدراسات القديمة بكلية الآداب، جامعة القاهرة، وذلك في عام ١٩٤٣م، وفي عام ١٩٤٧م حصل على شهادة الماجستير في الآداب اليونانية واللاتينية. شغل العديد من الوظائف الإدارية والعلمية؛ ففي بداية عمله كان أمينًا لغرفة النقود بالمكتبة العامة بجامعة القاهرة، ثم انتُدب للعمل بتدريس اللغة اللاتينية بكلية الآداب، جامعة القاهرة، كما كان أمينًا بقسم الجغرافيا بجامعة القاهرة حتى عام ١٩٥٤م. كذلك عمل بتدريس اللغة الإنجليزية من عام ١٩٥٥ حتى عام ١٩٥٨م، وذلك عقب التِحاقه بخدمة الحكومة السودانية، وفور انتهاء خدمته عمل مُدرسًا للغة الإنجليزية بالمدارس الأجنبية بالقاهرة، وذلك عام ١٩٦١م، كما عمل بالتدريس الأكاديمي بالجامعة الأمريكية في مصر، وبجامعات أمريكا وكندا. كان «أمين سلامة» مولعًا بدراسة التاريخ اليوناني والروماني، وكان يحب السفر كل عام إلى اليونان للبحث في مكتباتها عن المخطوطات النادرة، واستطاع عبر سنوات حياته العلمية الاطِّلاع على أمهات الكتب اليونانية والرومانية وعلى أروع ما أنتجَته هاتان الحضارتان العظيمتان من أعمالٍ مسرحية وتراجيدية وفلسفية مهمة، وقد أتقن ترجمة هذه الأعمال من لُغتها الأصلية، سواءٌ اليونانية القديمة أو اللاتينية، ومن اللغة الإنجليزية أيضًا، إلى اللغة العربية، إلى جانب تأليفه للكثير من الأعمال المهمة. أما عن أعماله المترجمة فنذكر منها: «الإلياذة»، و«الأوديسة»، و«الأساطير اليونانية والرومانية». وأما عن مؤلفاته فنذكر منها: «الذات واللذات»، و«اليونان وشاهد عيان»، و«حياتي في رحلاتي». تُوفِّي «أمين سلامة» عام ١٩٩٨م بمحافظة القاهرة، تاركًا إرثًا علميًّا كبيرًا من المؤلفات والترجمات التي تُثري وتُعزِّز مكتباتنا وثقافتنا العربية.