يسجِّل هذا الكِتاب لرحلة من رحلات العرب إلى «روسيا» في أوائل القرن العشرين، والتي جاءت في إطار شدِّ الرحال إلى بلاد بعيدة يميُّزها عن غيرها معالم طبيعية وحضارية فارقة. والمؤلِّف وقد امتلك القدرة على حُسْن الوصف وسلاسة التعبير، يصطحب القارئ معه في رحلته منذ حصوله على تأشيرة الدخول لروسيا، وحتى انطلاقه مبْحرًا من الإسكندرية، وصولًا إلى «أودسا» أولى المدن الروسية التي وطِئها، بَعْد إبحارٍ طويلٍ استغْرَقَ عدة أيام، وما إن رَسَت السفين التي أقَلَّتْهُ، حتى تصاعَدَ إيقاع المغامرة، وأَخَذَ «رشاد بك» يسيح متفقِّدًا المدينة تلو المدينة، والمَعلم تلو المَعلم، راصدًا أحوال السكان ومعاشاتهم، فضلًا عن علومهم وفنونهم، ويختم تدوينه الرحلة بإيراد معلوماتٍ ضافيةً جغرافيةً وسكانيةً عن روسيا، ليتمِّمَ كتابه كسِفرٍ تاريخيٍّ أدبيٍّ يُرِينا صورة حية لتلك البلاد آنذاك، بعيون عربية.
رشاد بك: هو أديب ورحالة مصري، تقلَّد مناصب قضائية رفيعة في بداية القرن العشرين، غير أن شغفه بالرحلات واستكشاف مختلف البلدان أدبيًّا وفنيًّا أخذه من عالم الجاه والمنصب إلى عالم الترحال وتدوين الرحلات. وُلد «محمود رشاد بن إبراهيم بن عبد الله النجار»، وشهرته «رشاد بك» عام ١٨٥٤م في «الإسكندرية»، وهو الشقيق الأكبر لأحمد زكي باشا المعروف ﺑ «شيخ العروبة». تلقى تعليمه الأوليَّ في مسقط رأسه ثمَّ في «بنها»، والتحق بعد ذلك بمدرسة المشاة في القاهرة، لينتظم بعدها في صفوف ضباط الجيش المصري، إلَّا إنه حدث ما اقتضى خروجه من العسكرية، ودخوله «المعارف» مفتِّشًا. سماته الشخصية والأدبية القوية جعلت منه محل ثقة؛ فأوفدته الحكومة المصرية مع اثنين آخرين، لتمثيلها في مؤتمر المستشرقين الدولي بفيينا، ولما افتُتحت المحاكم الأهلية في مصر، كان من أوائل أعضائها. وقد عُدَّت سيرته القضائية مثالًا في النزاهة والإقساط، فأخذ في الترقي في السلك القضائي، حتى عُيِّن رئيسًا لمحكمة مصر، لكنه ومع بلوغه ذروة مجده قرر اعتزال المناصب، وساح في الأرض شرقًا وغربًا، فزار فلسطين والشام وتركيا، وكذلك فرنسا والمجر ورومانيا والسويد والنرويج، ونشر فصولًا من رحلاته في جريدة «المؤيد». ولرشاد بك العديد من المؤلفات، منها: «الدروس الجغرافية»، «كنوز الذهب في التربية والأدب»، «بحث في دار لقمان»، «المرسيليات»، و«رحلة إلى روسيا»، كما نُشرت له مقالات كثيرة في الصحف والمجلات. وقد فارق الحياة في القاهرة سنة ١٩٢٥م.