بينما كانَ الأميرُ «محمد علي» قد أشبعَ فضولَهُ تجاهَ أوروبا وساحَ في عواصمِها ومدائنِها الكبرى مرَّاتٍ عديدة، راودتْهُ فكرةُ أنْ ييمِّمَ شرقًا باتجاهِ البوسنةِ والهرسك؛ تلكَ البلادِ التي تتميَّزُ بمعالمَ طبيعيةٍ خاصَّة، وتتباينُ أعراقُ سكَّانِها وثقافاتُها، وتقعُ موقعًا وسطًا بينَ الشرقِ الهادئِ والغربِ الصاخبِ بحضارتِهِ الحديثةِ ومظاهرِها المادية. وقدْ كانَ الأميرُ يخطِّطُ للانطلاقِ في رحلتِهِ منَ النمسا إلى المَجر، متنقِّلًا بينَ عددٍ منَ المدنِ حتى «سراييفو» عاصمةِ البوسنةِ ثمَّ إلى الهرسك، ليعبُرَ بعدَها البحرَ إلى بلادِ الجبلِ الأسود، ناهلًا من جميلِ المشاهدِ في كلِّ محطةٍ من محطاتِه، لكنَّهُ سرعانَ ما عدَلَ عن خطتِهِ ما إنْ وصلَ البوسنة؛ إذْ جذبتْهُ خبايا ذلكَ البلدِ المثيرةُ لإطالةِ المكْثِ فيهِ والإمعانِ في استكشافِه، وعادَ ليُشاركَنا تجربتَهُ مسرودةً بإمتاعٍ في كتابِهِ الذي بينَ أيدينا.
محمد علي: هو ابن الخديوي «محمد توفيق»، كان وصيًّا على عرش مصر في الفترة التي تلت وفاة الملك «فؤاد الأول» وجلوس «فاروق» على العرش. وُلِد الأمير «محمد علي باشا توفيق» بالقاهرة عام ١٨٧٥م، ودرس بالمدرسة العليا بعابدين، ثم أُرسل إلى سويسرا لاستكمال دراسته؛ حيث درس العلوم العسكرية بمدرسة «هكسوس» بجينيف، ثم عاد إلى مصر بعد وفاة والده الخديوي «توفيق» عام ١٨٩٢م. كان الأمير «محمد علي» حليفًا للإنجليز؛ رغبةً منه في أن يجعلوه حاكمًا على مصر؛ حيث حاول أكثر من مرة الاستحواذ على حكم مصر منذ كان وصيًّا على العرش بحجةِ صِغَر سن «فاروق»، ولكن الملكة «نازلي» (والدة «فاروق») استطاعت بحكمتها الحفاظ على عرش ابنها. كان الأمير مولعًا بالجياد ويهوى اقتناء الخيول العربية؛ ولذلك دأب على البحث عن أنواعها الجيدة في أسفاره. وقد وضع كتابه «الرحلة الشامية» أثناء سفره إلى بلاد الشام، التي سافر إليها طلبًا لتبديل الهواء ومشاهدة معالم سوريا ولبنان، والبحث عن الخيول الأصيلة التي كان يعشقها، وقد أشار إلى مشاهداته المختلفة في تلك البلاد وما لفت نظره وأقلقه من تفشي البضائع الأجنبية في أسواق الشام، وكذلك زيادة أعداد المبشِّرين المسيحيين المُبتعَثين للشام؛ حيث شعر بخطورة التدخل الأجنبي. تُوفي «محمد علي» في ١٩٥٤م دون أن يترك ذُريَّة؛ حيث كان قد أُصيب في حادثٍ منعه من الزواج.