«إنه يُحبها، يُحبها، يُحب فيها شبابَه البِكر، ويُحب فيها إرضاءَها لغرور الشباب، ويُحب فيها أُمسياتِها الناعمة في ضوء القمر، أو في ضوء المصباح المُعلَّق على القارب. يُحب فيها استيقاظةَ القلب الأولى، وصَحْوةَ النبضات الناغمة. يُحبها ولكن إلى أين؟ أزَواجًا؟»إنها رائعةُ «ثروت أباظة»، التي جسَّد فيها الحبَّ والصداقة والقرابة والوفاء تماثيلَ منصوبةً دقيقةَ الصنع، واضحةَ الملامح، فمِن «قصر على النيل» يملكه «أحمد باشا شكري» السياسيُّ المُخضرَم، والناقد المُمحِّص أحوالَ عصره، وربُّ عائلته الكبيرة التي تَنعم في خيره وفضله، والأبُ الحنون على ابنتَيه «سهير» و«سميحة»؛ إلى بيتِ ابن أخيه ووريث حكمته «وصفي باشا شكري»، الرفيع أدبًا ومَقامًا؛ وإلى قلب «سليمان» المُوحِش ابن الأخ الآخَر، المهندس العِربيد الطمَّاع؛ من هنا وهناك يروي لنا الأديبُ الكبير — في سيمفونية مُطرِبة — كيف كان قرارٌ واحد اتَّخذه «وصفي» و«سهير» في شبابهما وهما غِرَّان صغيران مدفوعان بشكِّ نفسِه وانفطارِ قلبها، قد قلبَ حياتَهما وحياةَ العائلة كلها، كبيرِها وصغيرها، انقلابَ مركبٍ مُهترئ في بحرٍ مُتلاطِم الأمواج.
ثروت أباظة: روائيٌّ وكاتبٌ مصريٌّ مرموق، عُرِفَ بحِسِّه الوَطَني، ويَنتسبُ إلى عائلةٍ مصريةٍ عريقةٍ هي عائلةُ أباظة، وهو ابنُ السياسيِّ المصريِّ إبراهيم دسوقي أباظة. وُلِدَ «محمد ثروت إبراهيم دسوقي أباظة» بالقاهرةِ عامَ ١٩٢٧م. حصلَ على ليسانس الحقوقِ من جامعةِ فؤادٍ الأولِ عامَ ١٩٥٠م. كانتْ بدايةُ حُبِّه للقِراءةِ عندما أهداهُ والِدُه مجموعةً من مُؤلَّفاتِ الكاتبِ المصريِّ «كامل كيلاني»، ثُمَّ قرَأَ تِباعًا أعمالَ طه حُسَين، وتَوْفيق الحَكِيم، وعبَّاس العقَّاد، وأحمد شَوْقي. تعدَّدَ إنتاجُ ثروت أباظة الأدبيُّ وتنوَّعَ ليشملَ الروايةَ والقصةَ القصيرةَ والمَسْرحيَّة، إضافةً إلى ترجمتِه أكثرَ من عملٍ، وكتابةِ عدةِ بحوثٍ أدبيَّة. ارتبطَ بعَلاقاتٍ وثيقةٍ مع كُتَّابِ وأدباءِ مصرَ الكِبار؛ فقدْ قدَّمَ له عميدُ الأدبِ العربيِّ طه حُسَين روايته «هارِب من الأيام»، وأَثْنى عليهِ نجيب محفوظ حينَ قالَ عنه: إنَّ دورَهُ في الروايةِ الطويلةِ يحتاجُ إلى بحثٍ مُطوَّلٍ بعيدًا عَنِ المَذاهبِ السياسيَّة، وقالَ توفيق الحكيم له ذاتَ مرةٍ: أنا مُعجَبٌ برِواياتِكَ في الإذاعة، لدرجةِ أنَّني حينَ أقرأُ في البَرْنامجِ أنَّ لكَ رِوايةً أمكثُ في البيتِ ولا أخرُج. أثارتْ رِوايتُه «شيء من الخوف» جدَلًا واسعًا لقولِ بعضِ المقرَّبِينَ مِنَ الرئيسِ المِصريِّ الراحلِ جمال عبد الناصر إنَّها تَحملُ رمزيةً لفترةِ حُكمِه. تَقلَّدَ ثروت أباظة عدَّةَ مَناصبَ رسميةٍ من أهمِّها: رئيسُ تحريرِ مجلةِ الإذاعةِ والتلفزيونِ عامَ ١٩٧٥م، ورئيسُ اتحادِ كتَّابِ مصر، وحصل على عدة جوائز من بينها جائزةُ الدولةِ التشجيعيَّة عامَ ١٩٥٨م، ووِسامُ العلومِ والفنونِ من الطبقة الأولى، وفي عامِ ١٩٨٣م حصلَ على جائزةِ الدولةِ التقديريةِ عن مُجمَلِ أعمالِه. تُوفِّيَ ثروت أباظة عامَ ٢٠٠٢م.