«إن الحياة بالمعنى الحقيقي، الواقعي تمامًا، لا يمكِن أن تكون إلا الوجود الواعي في الحاضر. أيعيش على الإطلاق ذلك الذي لا يستطيع ممارَسة ذلك، ويقف في مفترق الطريق بين الماضي والمستقبل دونَ خوف، دون دُوار، متناسيًا التجرِبة والبصيرة؟»ثَمة مثَلٌ يقول: «إذا تَفلسَف الحمار مات جوعًا!» وهو مثَلٌ مأخوذ عن قصةِ «حمار بوريدان»؛ وهي قصةٌ افتراضية عن حمارٍ يُعاني الجوع والعطش، وُضع أمام كَومةٍ من القش، وسَطلٍ من الماء، فحَارَ بأيِّهما يبدأ، وظل على حيرته حتى مات جوعًا وعطشًا! وفي الرواية التي بين أيدينا يجسِّد «كارل إرب» نموذجَ «حمارِ بوريدان»؛ فقد ترك زوجتَه وأسرتَه والحياةَ الرغدة التي كان يحياها ليتزوَّج من «برودر»، وهي فتاة من طبقة فقيرة يعيش معها في مسكنٍ متواضِع للغاية، لكنه يسأم من هذه الحياة ويُقرِّر العودة إلى حياته السابقة، لكن زوجته الأولى ترفُض أن يعودا زوجَين كسابق عهدهما. تقدِّم الرواية بأسلوبٍ ساخر نقدًا لاذعًا للمفاهيم الاشتراكية وفترة الحكم الشيوعية لألمانيا الشرقية عقب الحرب العالمية الثانية، وتُسلِّط الضوءَ على الكثير من خبايا النفس البشرية.
جونتر دي بروين: واحد من أبرز الروائيين الألمان في القرن العشرين. أكسبته رواياتُه وسِيَره التاريخية وتعليقاته الثقافية شهرةً واسعة في ألمانيا وخارجها. وُلِد «جونتر مارتن دي بروين» في عام ١٩٢٦م ببرلين. جُنِّد في الجيش النازي عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية. سقط جريحًا في الحرب وأُسِر في أحد المعسكرات الأمريكية، وبعد إطلاق سراحه في عام ١٩٤٥م حصل على وظيفة عامل مزرعة في ولاية هيسن بألمانيا الغربية، وفي العام التالي عاد إلى برلين ليعمل مدرِّسًا في إحدى القرى القريبة من المدينة، ثم عمل أمينًا لإحدى المكتبات العامة في برلين في عام ١٩٥٣م، ومنذ عام ١٩٦١م عمل كاتبًا مستقلًّا. حظي «جونتر» بعضوية المجلس المركزي لاتحاد الكُتَّاب الألمان، واللجنة التنفيذية المركزية للجمعية الأدبية لألمانيا الشرقية، وكذلك مركز القلم الألماني، وكان شغوفًا بالكتابة، وقدَّم العديد من الأعمال المهمة والمتنوعة بين الروايات الواقعية، والسِّيَر الذاتية، والمقالات الأدبية والتاريخية والسياسية، ومن أعماله: رواية «الممر»، و«الحمار»، و«تقديم الجائزة»، و«الوادي»، و«بحيرة سوداء شديدة الانحدار»، و«حفلة تنكرية»، وكتاب «حياة جان بول فريدريش ريختر»، و«ملكة بروسيا: صعود وسقوط الأسطورة»، و«الكونتيسة إليسا: قصة حياة وحب». نال عدة جوائز تكريمًا له ولأعماله، منها: جائزة هاينريش مان للآداب عام ١٩٦٤م، والدرجة الفخرية من جامعة فرايبورج عام ١٩٩١م، والجائزة الأدبية الكبرى للأكاديمية البافارية للفنون الجميلة عام ١٩٩٣م، والدرجة الفخرية من جامعة هومبولت في برلين عام ١٩٩٩م، وجائزة جاكوب جريم للغة الألمانية عام ٢٠٠٦م، وغيرها من الجوائز. توفي «جونتر» في عام ٢٠٢٠م عن عمر ناهز ٩٤ عامًا.