«نحن جميعُنا مثل ذُبابات تحاول أن تَزحف فوق حافة الصحن. هكذا فكَّرَت «مايبيل»، وراحَت تكرِّر تلك العبارةَ كما لو كانت ترسم علامةَ الصليب على صدرها، وتُتمتِم كما لو أنها كانت تحاول أن تكتشفَ تعويذةً ما لتُوقفَ بها هذا الألم، لكي تجعلَ هذا الوجعَ المبرحَ محتمَلًا.»مجموعةٌ قصصية كلُّ قطعة فيها كأنها فرَسٌ حَرُونٌ لا يمكن توقُّع خطواته القادمة؛ فبِجُموحٍ صَوْغي، ورُعونةٍ لُغوية، وتهشيمٍ للجملة والحدَث، تَنقلك «فرجينيا وولف» إلى عالَمٍ سرديٍّ لا يعتمد على الحَبكة والحكاية بقدرِ ما يعتمد على التجريب الجامح الذي لا يَعتدُّ بالحدَث ولا بالشيء، بل بأثرِ هذا الحدَث على ذلك الشيء. كما تعكس المجموعةُ عالَم «فرجينيا وولف» الأدبي والخاص؛ ففي قصة «المرأة في المرآة» تتجلَّى تيمةُ الالتفاف في الضمائر؛ وفي قصة «الفستان الجديد» تتجلَّى تيمتَا التداعي الحر للأفكار والمونولوجِ الداخلي، وهما من سمات تيار الوعي؛ وفي قصة «لقاء وفراق» تتوسَّل مشاعرها الخاصة لتبُثَّها أحيانًا في مشاعر شخوصها، إذ تحكي عن الرعد وما يُسبِّبه لإحدى بطلات القصة من فزع وخوف؛ وفي قصة «الأرملة والببغاء» استخدمَت موجوداتٍ من حياتها الخاصة، مثل اسمِ زوجها «ليونارد وولف» واسمِ النهر الذي ألقَت بنفسِها فيه مُنتحِرةً عام ١٩٤١م.
فرجينيا وولف: إحدى أيقونات الحركة الأدبية في إنجلترا في القرن العشرين، وأول مُستخدِمي تيار الوعي كطريقة للسرد. وُلدت «أدالاين فرجينيا وولف» في ٢٥ يناير ١٨٨٢م بلندن، لأسرةٍ ثَرِية؛ فكان والِدها رجلًا نبيلًا، وكانت والدتها تعمل عارضةً للحركة الفنية. عاشت «فرجينيا» في جوٍّ عائلي يهتم بالأدب والثقافة؛ فكان لوالِدها مكتبةٌ كبيرة، وكان يشجِّعها لكي تصبح كاتبة، وهو ما ساهَم في تشكيلها الأدبي، وكان لأخواتها غير الشقيقات دارُ نشرٍ قامت بنشر بعض أعمالها. وبالرغم من اقتصار التعليم الجامعي في الأسرة على الذكور — إذ كانت الفتيات يَتلقَّين تعليمَهن في البيت — فقد تمكَّنت هي وأخواتها من الالتحاق بقسم الفتيات في كلية الملك في لندن؛ حيث درَسن الكلاسيكيات والتاريخ (١٨٩٧–١٩٠١م)، وأصبحنَ على تواصُل مع أوائل النساء الإصلاحيات لحركة التعليم العالي للنساء وحركة حقوق المرأة. تزوَّجت «فرجينيا» من المنظِّر السياسي والمؤلِّف والناشر «ليوناردو وولف» عام ١٩١٢م، وأسَّسا معًا دارَ نشر هوجارث عام ١٩١٧، التي نشرت معظم أعمالها، وبالتدريج مالت «فرجينيا» إلى حياة العُزلة بعيدًا عن لندن؛ فاتخذت مَسكنًا دائمًا لها في مُقاطعة ساسكس. كان لها تأثيرٌ كبير على الحركة الأدبية الحداثية والنقد النسوي في القرن العشرين، فإلى جانب مُساهمتها في تكوين مجموعة بلومزبري الفنية والأدبية، تركت مجموعةً متميِّزة من المؤلَّفات الأدبية التي ساهَمت في تدشينِ تيارٍ جديد في الأدب الإنجليزي والعالمي هو تيارُ تداعي الذاكرة سيل الوعي، الذي ظهر جليًّا في أعمالها، مثل: «رحلة الخروج» (١٩١٥م)، و«الليل والنهار» (١٩١٩م)، و«غرفة جاكوب» (١٩٢٢م)، و«السيدة دالوي» (١٩٢٥م)، و«أورلاندو» (١٩٢٨م)، و«الأمواج» (١٩٣١م)، و«بين الأعمال» (١٩٤١م)، و«بيت تسكنه الأشباح» (١٩٤٤م) وهو مجموعةٌ قصصية نُشِرت بعد وفاتها. اتَّسمَت «فرجينيا» برهافة الحس الشديدة، التي أثَّرت على حالتها النفسية والعصبية؛ فقد تعرَّضت لأول انهيار عصبي عَقِب وفاة والدتها عام ١٨٩٥م، ثم كان لوفاة أختها التي كانت بمثابةِ أمٍّ لها عام ١٩٠١م، ثم وفاة والِدها عام ١٩٠٥م، تأثيرٌ سيئ على حالتها العصبية؛ حيث توالَت عليها نوباتُ الانهيار العصبي، بالإضافة إلى تعرُّضها لطفولةٍ مُضطرِبة بسبب التحرُّش بها من قِبَل أخوَيها غير الشقيقَين. وظلت طوال حياتها تتعرَّض لنوباتٍ من الانهيار العصبي دخلَت على إثرها مصحةً للأمراض العقلية بسبب مُحاوَلاتها المتكرِّرة للانتحار، وفي ٢٨ مارس ١٩٤١م نجحت في الانتحار، عندما ارتدَت معطفَها وملأَت جيوبَه بالحجارة، وأغرقت نفسها في نهر أوس القريب من منزلها.