«وصمتت مبروكة ولم تُجِب. وقد كانت هذه الخطبة مُتوقَّعة وأنا لا أعرف في بيتنا شيئًا ذا أهمية إلا الفلوس. فما البأس أن أتزوجه وهو غني وليس جهله مانعًا، فما دام غنيًّا فكل شيء يُغتفر له. وعلى كلٍّ ليس في مصر أغنياء اليوم إلا الجهلاء.» يأخذنا «ثروت أباظة» بأسلوبه البسيط وبصيرته النافذة عبر فصول روايته في رحلة حياة أحد البُخلاء، ويُدعى «توفيق»، الذي سيطر عليه حبُّه للمال إلى الحد الذي جعله يسلك طُرقًا غير مشروعة في الحصول عليه، بدايةً من الربا الذي كوَّن منه ثروة معقولة في بلدته الصغيرة، ثم ذهابه إلى القاهرة للاستثمار مع أحد التجار بها. ويسرد لنا بمهارة القاصِّ كيف استطاع «توفيق» أن يُحقق ثروة طائلة، ولكنه في المقابل يجني حصادَ جشعه في سوءِ أفعالِ أبنائه الذين يُقدِّسون المال الذي حُرموا منه، ويَلجئون إلى طرقٍ غير قانونية للثراء السريع، إلا أن حداثة سنهم تودي بهم إلى الوقوع في شِراك جرائمهم، والقضاء على مستقبلهم.
ثروت أباظة: روائيٌّ وكاتبٌ مصريٌّ مرموق، عُرِفَ بحِسِّه الوَطَني، ويَنتسبُ إلى عائلةٍ مصريةٍ عريقةٍ هي عائلةُ أباظة، وهو ابنُ السياسيِّ المصريِّ إبراهيم دسوقي أباظة. وُلِدَ «محمد ثروت إبراهيم دسوقي أباظة» بالقاهرةِ عامَ ١٩٢٧م. حصلَ على ليسانس الحقوقِ من جامعةِ فؤادٍ الأولِ عامَ ١٩٥٠م. كانتْ بدايةُ حُبِّه للقِراءةِ عندما أهداهُ والِدُه مجموعةً من مُؤلَّفاتِ الكاتبِ المصريِّ «كامل كيلاني»، ثُمَّ قرَأَ تِباعًا أعمالَ طه حُسَين، وتَوْفيق الحَكِيم، وعبَّاس العقَّاد، وأحمد شَوْقي. تعدَّدَ إنتاجُ ثروت أباظة الأدبيُّ وتنوَّعَ ليشملَ الروايةَ والقصةَ القصيرةَ والمَسْرحيَّة، إضافةً إلى ترجمتِه أكثرَ من عملٍ، وكتابةِ عدةِ بحوثٍ أدبيَّة. ارتبطَ بعَلاقاتٍ وثيقةٍ مع كُتَّابِ وأدباءِ مصرَ الكِبار؛ فقدْ قدَّمَ له عميدُ الأدبِ العربيِّ طه حُسَين روايته «هارِب من الأيام»، وأَثْنى عليهِ نجيب محفوظ حينَ قالَ عنه: إنَّ دورَهُ في الروايةِ الطويلةِ يحتاجُ إلى بحثٍ مُطوَّلٍ بعيدًا عَنِ المَذاهبِ السياسيَّة، وقالَ توفيق الحكيم له ذاتَ مرةٍ: أنا مُعجَبٌ برِواياتِكَ في الإذاعة، لدرجةِ أنَّني حينَ أقرأُ في البَرْنامجِ أنَّ لكَ رِوايةً أمكثُ في البيتِ ولا أخرُج. أثارتْ رِوايتُه «شيء من الخوف» جدَلًا واسعًا لقولِ بعضِ المقرَّبِينَ مِنَ الرئيسِ المِصريِّ الراحلِ جمال عبد الناصر إنَّها تَحملُ رمزيةً لفترةِ حُكمِه. تَقلَّدَ ثروت أباظة عدَّةَ مَناصبَ رسميةٍ من أهمِّها: رئيسُ تحريرِ مجلةِ الإذاعةِ والتلفزيونِ عامَ ١٩٧٥م، ورئيسُ اتحادِ كتَّابِ مصر، وحصل على عدة جوائز من بينها جائزةُ الدولةِ التشجيعيَّة عامَ ١٩٥٨م، ووِسامُ العلومِ والفنونِ من الطبقة الأولى، وفي عامِ ١٩٨٣م حصلَ على جائزةِ الدولةِ التقديريةِ عن مُجمَلِ أعمالِه. تُوفِّيَ ثروت أباظة عامَ ٢٠٠٢م.