«وهكذا كانت الأحوال المالية لمراد في انتعاشٍ مستمر، والانتعاشُ يُغري بالمزيد منه، والأرقام ليس لها نهاية. فَلْيمضِ به الطريق ونحن من ورائه نقُصُّ أثرَه ونتَنَطَّس أنباءه.» لطالما كانت الرواية الأدبية هي الوجهَ الآخَر للتاريخ، فمن خلالها نستطيع أن نُعيد قراءةَ عهودٍ وسنواتٍ طويلة مضت من عُمر البلاد والناس، وعبْرَها نستطيع قولَ ما لم نَقدر على قوله في مَواطنَ أخرى من الأدب، كالمقالة والنصوص التاريخية الرسمية. والكاتب الكبير «ثروت أباظة» هنا يُفرِغ ما يغلي في صدره حنقًا؛ ففي نصه الروائي هذا يعتمد على الصوت الواحد للراوي، ساردًا قصةَ صعود «مراد دياب» — ذلك الشاب القليل التعليم، الشديد الذكاء، الفاسد الخُلق — مارًّا بأحداث مصرَ قُبيلَ قيام ثورة يوليو وحتى فترة الانفتاح الاقتصادي، موضِّحًا من خلال سرده وجهةَ نظره في كل هذه الأحداث، فالمنتفعون نجومُ كل العصور، والمستغلون أذنابُ كل الحكومات، ومَن يستطيع النجاة إلا «مراد»؛ رجل كل الباشوات؟!
ثروت أباظة: روائيٌّ وكاتبٌ مصريٌّ مرموق، عُرِفَ بحِسِّه الوَطَني، ويَنتسبُ إلى عائلةٍ مصريةٍ عريقةٍ هي عائلةُ أباظة، وهو ابنُ السياسيِّ المصريِّ إبراهيم دسوقي أباظة. وُلِدَ «محمد ثروت إبراهيم دسوقي أباظة» بالقاهرةِ عامَ ١٩٢٧م. حصلَ على ليسانس الحقوقِ من جامعةِ فؤادٍ الأولِ عامَ ١٩٥٠م. كانتْ بدايةُ حُبِّه للقِراءةِ عندما أهداهُ والِدُه مجموعةً من مُؤلَّفاتِ الكاتبِ المصريِّ «كامل كيلاني»، ثُمَّ قرَأَ تِباعًا أعمالَ طه حُسَين، وتَوْفيق الحَكِيم، وعبَّاس العقَّاد، وأحمد شَوْقي. تعدَّدَ إنتاجُ ثروت أباظة الأدبيُّ وتنوَّعَ ليشملَ الروايةَ والقصةَ القصيرةَ والمَسْرحيَّة، إضافةً إلى ترجمتِه أكثرَ من عملٍ، وكتابةِ عدةِ بحوثٍ أدبيَّة. ارتبطَ بعَلاقاتٍ وثيقةٍ مع كُتَّابِ وأدباءِ مصرَ الكِبار؛ فقدْ قدَّمَ له عميدُ الأدبِ العربيِّ طه حُسَين روايته «هارِب من الأيام»، وأَثْنى عليهِ نجيب محفوظ حينَ قالَ عنه: إنَّ دورَهُ في الروايةِ الطويلةِ يحتاجُ إلى بحثٍ مُطوَّلٍ بعيدًا عَنِ المَذاهبِ السياسيَّة، وقالَ توفيق الحكيم له ذاتَ مرةٍ: أنا مُعجَبٌ برِواياتِكَ في الإذاعة، لدرجةِ أنَّني حينَ أقرأُ في البَرْنامجِ أنَّ لكَ رِوايةً أمكثُ في البيتِ ولا أخرُج. أثارتْ رِوايتُه «شيء من الخوف» جدَلًا واسعًا لقولِ بعضِ المقرَّبِينَ مِنَ الرئيسِ المِصريِّ الراحلِ جمال عبد الناصر إنَّها تَحملُ رمزيةً لفترةِ حُكمِه. تَقلَّدَ ثروت أباظة عدَّةَ مَناصبَ رسميةٍ من أهمِّها: رئيسُ تحريرِ مجلةِ الإذاعةِ والتلفزيونِ عامَ ١٩٧٥م، ورئيسُ اتحادِ كتَّابِ مصر، وحصل على عدة جوائز من بينها جائزةُ الدولةِ التشجيعيَّة عامَ ١٩٥٨م، ووِسامُ العلومِ والفنونِ من الطبقة الأولى، وفي عامِ ١٩٨٣م حصلَ على جائزةِ الدولةِ التقديريةِ عن مُجمَلِ أعمالِه. تُوفِّيَ ثروت أباظة عامَ ٢٠٠٢م.