«إن الروح تُولد في البداية في مثل هذه اللحظات التي أخبرتُك بها. إن مولدها بطيء وغامض، أكثر غموضًا من مولد الجسد. وحين تُولد روحُ إنسانٍ في هذا البلد، فإنهم يُلقون عليها الشِّباك ليَمنعوها من التحليق.»يُشكِّل الدِّين واللغة والقومية مثلثَ الهُوِية الجمعية التي يشترك فيها جماعة من الناس، ولكن ماذا عن الهُوِية الفردية المعبِّرة عن الذات الإنسانية في صورتها الخاصة؟ تُحاول هذه الروايةُ الاستثنائية — التي تمثِّل جزءًا من السيرة الذاتية لكاتبها «جيمس جويس» — الإجابةَ على هذا السؤال، من خلال شخصية «ستيفن ديدالوس» الذي ينشأ في أسرة أيرلندية تحترم التقاليد وتعيش تحت مظلة الدِّين والقومية، وتُقدِّس رجال الدِّين وتسعى إلى أن يُصبح ابنُها قسيسًا، لكن «ستيفن» الذي تشبَّع بهذه الهُوِية الجمعية في طفولته، يبدأ في الثورة عليها في سعيه للبحث عن هُوِيته الذاتية، وسَبْر أغوار نفسه الإنسانية التي تبدأ في مناقشة الكثير من الثوابت التي نشأت فيها. رحلة فكرية ونفسية نعيشها مع «ستيفن ديدالوس»، تُثير فينا الكثيرَ من الأسئلة، وتُوجِّه نظَرنا إلى مساحات جديدة تخصُّنا.
جيمس جويس؛ رِوائي وقصَّاص وكاتب أيرلندي شهير. يُعدُّ أحد أهم رموز «تيار الوعي»، وأحد أهم المجدِّدين في البناء الروائي والأسلوب السردي في العصر الحديث. ولد «جيمس أوغسطين جويس» عام ١٨٨٢م في مدينة دبلن بأيرلندا، وبمجرد أن أتم السادسة من عمره أودعه والداه مدرسةً داخلية يسوعية، فنشأ فيها نشأةً صارمة وتلقَّى تربية دينية قاسية كان لها أكبر الأثر على موقفه المعقَّد من الدين والتدين. تخرَّج في كلية الآداب عام ١٩٠٢م، وأراد أن يدرس الطب فانتقل إلى باريس، لكنه اضطُرَّ إلى الرجوع إلى دبلن بعد وفاة أمه وفاقة أسرته، واشتغل هناك بالتدريس قليلًا إلى أن انتقل مع أسرته إلى تريستا بإيطاليا، وهناك كتب أهم أعماله: مجموعته القصصية «أناس من دبلن»، ورواية «صورة الفنان في شبابه»، وشرع في كتابة عمله الأهم «يوليسس»، ولما أتمه تعرض لبعض المضايقات فقرر الانتقال إلى باريس وعاش فيها بقية عمره، وهناك كتب آخر أعماله وأعقدها «يقظة فينيجاينز». وبالإضافة إلى أعماله الروائية والقصصية الشهيرة كانت له مساهمة في المسرح، فكتب مسرحيته «المنفيون»، وكتب ثلاث قصص للأطفال. ولقد حرص في كتاباته الأدبية على إبراز الحيوات الداخلية لشخصياته وما يتوالد في نفوسهم من أفكار وهواجس على حساب نقل الحوادث الاجتماعية. لطالما كان «جويس» مثيرًا للجدل بين كبار النقاد؛ فمن قائل بأنه أحد أفضل كُتَّاب الرواية في العصر الحديث، ومن قائل بأنه كاتب ممل ماجن شارد الذهن مختلط الأفكار، لكن الذي استقر عليه الأمر لاحقًا لدى النقاد ومؤرخي الفن أنه صاحب أسلوب فريد في البناء الروائي، وأنه قد أثَّر على جيل كامل من الأدباء، بل إن أعماله لتعد ضمن الإرهاصات المبكرة لتيار ما بعد الحداثة. توفي «جيمس جويس» في الثالث عشر من يناير عام ١٩٤١م.