«أنتِ وكارمن نقيضتان، لا شيء يجمعكما إلَّا جنونُ الكتابة، لا يتَّسع فِراش الواحدة منكما لرجلٍ أو نصفِ رجل؛ فالمساحة كلها مشغولة بأوراق الرواية، والأقلامِ المقصوفة، والدموعِ الجافة، تحتضن كلُّ واحدة منكما روايتَها وهي نائمةٌ كأنما رجُلٌ تعشقه.»في مجتمعٍ مَليء بالتناقُضات تحاول الدكتورة «نوال السعداوي» نسجَ أحداثِ روايتها لتكشفَ عن الكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية والفكرية التي يُعانيها مجتمعُنا، من خلال شبكةِ علاقاتٍ تجمع البطلة — التي آثَرت «السعداوي» أن تكون من دون اسم، وأشارت إليها طوالَ الرواية ﺑ «الفتاة» — مع الكثير من الشخصيات المتشبِّعة بالتناقُضات، مثل «كارمن» التي تعشق الكتابةَ وتسعى إلى كتابة روايتها الأولى، و«رستم» الذي لا يعترف بوجود الإله، لكنه يُشبِّه نفسَه بإبليس ويَطلب العفوَ من الله، و«سميح» الذي يُؤمِن بالعلم فقط، و«جمالات» الصحفية المتديِّنة التي تحرص على أداء الفروض الدينية، لكن لديها ابنة غير شرعية، و«مريم» الشاعرة التي تَثُور على العادات والتقاليد والثوابت، وغيرها من الشخصيات التي تُعَد مِرآة المجتمع. كما تسلِّط «السعداوي» الضوء على حقوق المرأة، والأطفال المجهولي النَّسَب، واسم الأم الذي يجب أن يَحظى بالاعتراف القانوني.
نوال السعداوي: هي إحدى الشخصيات الأكثر إثارةً للجدل؛ حيث يصعب على القارئ أن يقف منها موقفًا وسطًا، فإما أن يكون معها وإما أن يكون ضدها. وهي أشهرُ مَن نادى بتحرير المرأة من قيودها، ومَن جهَرَ بالعصيان لِمَا سمَّتْه «المجتمع الذكوري». وُلِدت نوال السيد السعداوي في «كفر طلحة» بمحافظة الدقهلية عام ١٩٣١م، لأسرة متوسطة الحال؛ فكان أبوها موظفًا بوزارة المعارف، وقد لعب دورًا كبيرًا في حياتها، فمنه تعلَّمَتِ التمردَ على قيود المجتمع، وأن الثوابت التي لا تؤمن بها هي أصنامٌ يسهل تحطيمها. أما أمها فهي سيدة ريفية بسيطة ورثَتْ عنها ابنتُها الجَلَدَ وتحمُّلَ المسئولية. أتمَّتْ نوال السعداوي دراستَها الجامعية وتخرَّجَتْ في كلية الطب عام ١٩٥٥م. وعلى الرغم من الصراع الدائم داخلَها بين الأدب والطب، فإن أحدهما لم يحسم المعركة؛ فقد كانت مؤلِّفتُنا طبيبةً مشاكسة وأديبةً مثيرة للأسئلة. تزوَّجَتْ ثلاثَ مرات وأثمَرَ زواجُها ولدًا وبنتًا، وكان زواجها الأخير من «شريف حتاتة» هو الذي دفَعَ بأعمالها إلى العالَمية بترجمتها إلى اللغة الإنجليزية. كتبَتْ نوال السعداوي أكثرَ من خمسين عملًا متنوِّعًا بين الرواية والقصة والمسرحية والسيرة الذاتية، وعزفت بقلمها على الثالوث المقدس (الدين والجنس والسياسة) لتقوِّضه؛ فهي تدعو لأن تتحرَّر المرأة من قَيْدِ عبوديةِ الرجل محلِّقةً في أُفُق أرحب من المساواة ذاتها؛ فالمرأةُ حين ارتدَتِ الحجابَ تديُّنًا استتر عقلُها قبل شعرها، واعتلاها الرجلُ باسم الجنس. وعلى أعتاب السياسة فَقَدَت كلَّ شيء وقضَتْ حياتَها مدافِعةً عن المرأة؛ فسُلِبت حريتها، وعُزِلت من وظيفتها، وأُدرِج اسمُها في قائمة الاغتيالات، ولم يكن أمامَها إلا أن تبحث عن الحرية والأمان في مكانٍ آخَر، ولكنْ أينما ذهبَتْ فقضيةُ المرأة هي شاغلها الأكبر، فظلَّتْ تكتب عنها وإليها. وعلى الرغم من جهدها في الدفاع عن قضايا المرأة المصرية والعربية، فإن الاحتفاء بها جاء من عدة دول غير عربية، كما أنها رُشِّحت لجائزة نوبل. ويظل اسم نوال السعداوي من أهم الأسماء المحفورة في مخيِّلة الأدب النِّسوي. توفيت نوال السعداوي في ٢١ مارس ٢٠٢١م عن عمرٍ يناهز ٨٩ عامًا.