كانَتْ — ولا تزالُ — أراضِي لبنانَ مسرحًا مُهمًّا لصراعاتٍ سياسيةٍ كُبْرى بينَ الدُّولِ العُظمى والإمبراطورياتِ المُتصارِعة، وهذه الرِّوايةُ التاريخيةُ تَدورُ أحداثُها في لحظاتٍ قَلِقةٍ ومُضطرِبةٍ من تاريخِ لبنان؛ حيثُ تَصارعَتِ الإمبراطوريةُ العثمانيةُ المريضةُ وإنجلترا وفرنسا، كلٌّ يَطلبُ مصلحتَه؛ فهذا يطلبُ النفوذَ والتوسُّع، وآخَرُ يعملُ على حفْظِ أسواقِه التجاريةِ ومَكاسِبِه الماليةِ بالشام، وثالثٌ يَتطلَّعُ إلى مواقعَ ومرافِئَ تَزِيدُ من قوَّتِه العسكريةِ والاقتصادية، وسَبيلُهُم في ذلك الصراعِ هو إشعالُ الفِتنِ الطائفيةِ بينَ أهلِ لبنانَ مِنَ الدروزِ والمسيحيِّينَ لِيجدُوا طريقةً ما للتدخُّل؛ فيُعِينوا بالسلاحِ والعَتادِ والرِّجالِ الأطرافَ المُتحارِبةَ دونَ أن تَطرِفَ عيونُهم لمَشاهِدِ الدماءِ التي تُراقُ بينَ أبناءِ الوطنِ الواحد. فهل سينجحُ الأميرُ اللبنانيُّ الشابُّ «أحمد أرسلان» في إعلاءِ صوتِ العقل، والنجاةِ بقَوْمِه من هذا الصِّراعِ الجُنونيِّ الذي فُرِضَ عليهم فرْضًا؟
يعقوب صرُّوف: عالِم وأديب وصحفي لبناني، كان واسعَ الاطِّلاع موسوعيَّ المعرفة. أسَّس مجلة «المقتطف» الأدبية والعلمية الشهيرة، ورأَس تحريرَها حتى وفاته، كما شارك في إصدار جرائد شهيرة أخرى ﮐ «المقطم». وُلِد «صروف» عام ١٨٥٢م في قرية الحدث بلبنان، وتلقَّى علومه الأولى في «مدرسة الأمريكان»، ثم أرسله والده إلى «الجامعة الأمريكية» ببيروت فتخرَّج فيها عام ١٨٧٠م، وتولَّى رئاسة فرعَي «مدرسة الأمريكان» بصيدا وطرابلس وإدارتهما، ثم أنشأ مجلة «المقتطف» مع الأديب اللبناني «فارس نمر» عام ١٨٧٦م؛ حيث توالى إصدارُها تسع سنوات من بيروت، ثم انتقلت إلى القاهرة حيث ظل «صروف» يُشرِف عليها حتى وفاته. وقد نالت هذه المجلة شهرة واسعة في الدول العربية؛ وذلك لتنوُّع موضوعاتها بين الأدب واللغة والعلوم الحديثة، فكانت تنشر موضوعات رصينة لصفوة كُتاب تلك الفترة، فعُدَّت من أبرز العلامات المضيئة التي تركها «صروف» في الساحة الأدبية والعلمية. كان «صروف» يملك روحَ العالِم المحقِّق ودأبَ الباحث؛ حيث كان يقضي الساعات الطوال بالمكتبات العامة يقرأ ويدرس ويبحث المسائل العلمية والفلسفية، وكان مهتمًّا بالعلوم الطبيعية كالرياضيات والكيمياء، وكذلك بعلوم الفلك؛ لذلك نجده قد نشر العديد من المقالات العلمية التي تناولت النظريات العلمية الحديثة في المجالات التي سبق ذكرها، بأسلوب علمي غير جافٍّ ولا يخلو من الجاذبية والصنعة الأدبية، فكانت مقالاته التي يكتبها هي مشروعه التنويري الخاص؛ حيث أسهَم في حركة نقل العلوم والمعارف والأفكار الفلسفية الحديثة إلى اللغة العربية، فحُقَّ فيه القول بأنه كان من أبرز رجال النهضة العلمية الحديثة التي أنارت العالَم العربي. تُوفِّي «صروف» عام ١٩٢٧م عن عمر يُناهز الخامسة والسبعين، ليترك ميراثًا علميًّا وأدبيًّا عظيمًا للأمة العربية.