«استيقظ عباس في الفجرِ مُرغمًا على ذلك إرغامًا، ووجد نفسَه يذهب ليتوضَّأ، وأحسَّ كأنه آلة، ثم وجد نفسَه واقفًا في الصف خلفَ أبيه. وبدأت مراسمُ الصلاة، ومرةً أخرى أحسَّ أنه يتحرَّك حركاتٍ آلية. قرأ القرآن فوجده في فمه ولم يُحسَّ به في قلبه. وكان يُطرِق بعينَيه إلى الأرض، ولكنه لم يكن يُحسُّ الخشوع.» يَطرُق «ثروت أباظة» أبوابَ قضيةٍ دينية واجتماعية مثيرة، تُواجهها المجتمعاتُ المحافِظة، تتعلَّق بنمطِ التربية الصارم الذي يحرص عليه الآباء من ناحية، والتناقضاتِ التي تعيشها هذه المجتمعات بين التديُّن الشكلي وارتكاب الذنوب من ناحيةٍ أخرى. ويتجلَّى ذلك في شخصية «عباس»؛ الشاب الحاصل على بكالوريوس الهندسة، وهو ابنٌ لشيخٍ أزهري يحرص على ممارسة كافة مظاهر التديُّن، ويفرضه على ابنه بأسلوبٍ عنيف؛ الأمر الذي سيُؤثِّر على تقبُّل «عباس» هذا التديُّنَ الشكلي الذي يتشكَّك فيه فينصرف عنه. ويزداد الأمر تعقيدًا نتيجة العلاقةِ الغرامية مع جارته «إيفون»، والاختلافِ العَقَدي الذي يَحُول دون ارتباطهما، لكن حاله تَتبدَّل بعد زواجه من «ليلى» ابنة خالته، عندما تُوشِك أن تَلِد طفلهما، وتتعرَّض حياتُها للخطر، فيُدرك «عباس» حقيقةَ وجودِ الإله الذي منحه مولودًا جديدًا، وأنه القادر على إنقاذ «ليلى» من الموت.
ثروت أباظة: روائيٌّ وكاتبٌ مصريٌّ مرموق، عُرِفَ بحِسِّه الوَطَني، ويَنتسبُ إلى عائلةٍ مصريةٍ عريقةٍ هي عائلةُ أباظة، وهو ابنُ السياسيِّ المصريِّ إبراهيم دسوقي أباظة. وُلِدَ «محمد ثروت إبراهيم دسوقي أباظة» بالقاهرةِ عامَ ١٩٢٧م. حصلَ على ليسانس الحقوقِ من جامعةِ فؤادٍ الأولِ عامَ ١٩٥٠م. كانتْ بدايةُ حُبِّه للقِراءةِ عندما أهداهُ والِدُه مجموعةً من مُؤلَّفاتِ الكاتبِ المصريِّ «كامل كيلاني»، ثُمَّ قرَأَ تِباعًا أعمالَ طه حُسَين، وتَوْفيق الحَكِيم، وعبَّاس العقَّاد، وأحمد شَوْقي. تعدَّدَ إنتاجُ ثروت أباظة الأدبيُّ وتنوَّعَ ليشملَ الروايةَ والقصةَ القصيرةَ والمَسْرحيَّة، إضافةً إلى ترجمتِه أكثرَ من عملٍ، وكتابةِ عدةِ بحوثٍ أدبيَّة. ارتبطَ بعَلاقاتٍ وثيقةٍ مع كُتَّابِ وأدباءِ مصرَ الكِبار؛ فقدْ قدَّمَ له عميدُ الأدبِ العربيِّ طه حُسَين روايته «هارِب من الأيام»، وأَثْنى عليهِ نجيب محفوظ حينَ قالَ عنه: إنَّ دورَهُ في الروايةِ الطويلةِ يحتاجُ إلى بحثٍ مُطوَّلٍ بعيدًا عَنِ المَذاهبِ السياسيَّة، وقالَ توفيق الحكيم له ذاتَ مرةٍ: أنا مُعجَبٌ برِواياتِكَ في الإذاعة، لدرجةِ أنَّني حينَ أقرأُ في البَرْنامجِ أنَّ لكَ رِوايةً أمكثُ في البيتِ ولا أخرُج. أثارتْ رِوايتُه «شيء من الخوف» جدَلًا واسعًا لقولِ بعضِ المقرَّبِينَ مِنَ الرئيسِ المِصريِّ الراحلِ جمال عبد الناصر إنَّها تَحملُ رمزيةً لفترةِ حُكمِه. تَقلَّدَ ثروت أباظة عدَّةَ مَناصبَ رسميةٍ من أهمِّها: رئيسُ تحريرِ مجلةِ الإذاعةِ والتلفزيونِ عامَ ١٩٧٥م، ورئيسُ اتحادِ كتَّابِ مصر، وحصل على عدة جوائز من بينها جائزةُ الدولةِ التشجيعيَّة عامَ ١٩٥٨م، ووِسامُ العلومِ والفنونِ من الطبقة الأولى، وفي عامِ ١٩٨٣م حصلَ على جائزةِ الدولةِ التقديريةِ عن مُجمَلِ أعمالِه. تُوفِّيَ ثروت أباظة عامَ ٢٠٠٢م.