«ازداد إظلام القمر وخسوفه؛ فتغيَّر لونه من البُني الطيني، إلى البُني الصَّدِئ. فيما النجوم المشتعِلة التي لم تكن موجودة من قبل، تحيط به؛ إلى أن أمسى في النهاية عينًا متآكلة متوهِّجة، تغطِّيها البُثور والدمامل البَشِعة، عينًا تفيض شرًّا، تنظر إلى الثلوج المصطبغة بالأحمر القاني، وتُحدِّق في الفلاحين الذين يُمسكون بالمعاول التي تبدو ملطَّخة بالدماء.»كرَّس «دورنمات» تجرِبته الأدبية للبحث في جوهر النفس البشرية، وتفكيك القِيَم العليا التي تتهاوى تحت سطوة الغرائز البشرية، وقد جاءت هذه المجموعة محمَّلة بكلِّ ملامح هذه التجرِبة، وهو ما يتجلَّى في قصة «الخسوف»، التي يعود فيها رجلٌ عجوز إلى مسقط رأسه لينتقم من الجميع على ظُلمهم له في الماضي، فيبدأ «دورنمات» من خلاله في إثارة ماهية العدالة والجشع والطمع الإنساني. أمَّا قصة «السقوط» التي حملَت المجموعة عنوانها، فقد تناوَل فيها شهوةَ السُّلطة عبْر مجموعةٍ من الشخصيات التي يسيطر عليها رعبُ فقدانها. وفي قصة «حرب التيبت الشتوية» قدَّم رؤيته للحرب الباردة؛ إذ يُصوِّر وحشية الإنسان تجاه أخيه الإنسان إلى الحدِّ الذي يجعل وجودَه مرهونًا بقتل الآخر، مُقدِّمًا تصوُّرًا كابوسيًّا عن نهاية العالَم أو العالَم بعد نهايته، بعد الحرب العالمية الثالثة؛ الحرب التي ستُبيد الجميع.
فريدريش دورنمات: كاتب ورسَّام سويسري. يُعَد من أبرزِ رجال المسرح الناطقين باللغة الألمانية، حصل على عِدة جوائزَ أدبية وشهادات دكتوراه فخرية من العديد من الجامعات، وكان عضوًا بنادي القلم في ألمانيا الاتحادية. وُلد في كونولفينجن بسويسرا عام ١٩٢١م، كان ابنًا لراعٍ بروتستانتي، وكان جدُّه سياسيًّا وشاعرًا. بعد أن أنهى دراستَه الثانوية في بيرن، درَس اللاهوت والفلسفة والأدب في جامعتَي بيرن وزيورخ، كما احترف الخطَّ والرسم وظلَّ يمارس هذه الموهبة طوالَ حياته. عاش مع عائلته في نيوشتال منذ عام ١٩٥٢م وظلَّ بها حتى مماته. له الكثير من المؤلَّفات الأدبية البارزة، ولا سيما المسرحية، منها: «المكتوب»، و«الأعمى»، و«رومولوس الأكبر»، و«زواج السيد مسيسيبي»، و«علماء الطبيعة»، و«القاضي وجلاده»، و«ملاك جاء إلى بابل»، و«زيارة السيدة العجوز» التي تُعَد أشهرَ مسرحياته وأعظمَ أعماله، ومن أعظم ما كُتِب في الأدب الألماني، وقد مُثِّلت على أشهر المسارح العالمية. تُوفِّي «فريدريش دورينمات» في نويشتال عام ١٩٩٠م عن عمر يناهز ٦٩ عامًا، إثرَ إصابته بقصور في عضلة القلب.