«إن الحكمة مثل حقيبةٍ من جلد الماعز، وكل رجُل يحمل حقيبتَه الخاصة به. ولقد حدَّثَنا «إيزولو» عما أخبره به والِده عن تلك الأيام البعيدة، وكلنا يعرف أن الأب لا يتحدَّث سوى الصِّدق مع ابنه، وكلنا أيضًا يعرف أن أسرارَ الأرض وحِكمتها تقف فيما وراء معرفةِ كثيرٍ من الآباء.»تأخذنا هذه الرواية إلى قلب القارَّة السمراء حيث القبائل النيجيرية، لنتعرَّف على تراثٍ ديني واجتماعي غني عاشت في ظلِّه هذه القبائل؛ فنستكشف عاداتِهم وتقاليدهم وأعرافهم، وآلهتَهم وطقوسهم وأساطيرهم، ونعيش صراعَهم مع الاستعمار البريطاني في بداية القرن العشرين، والسياسات التعسُّفية والقاسية التي اتَّبعَها الاحتلال، ومحاوَلاته المستمرة للقضاء على التراث الأفريقي من خلال استبدالِ عقائدِهم بالديانة المسيحية، والتشجيعِ على بناء الكنائس، كما توضِّح الرواية كيف استمات الشعب النيجيري في مُقاوَمة هذه السياسات، في سبيل الاحتفاظ بتُراثهم وعقائدهم، حتى وصَل بهم الأمر إلى الانقلاب على كبير الكَهَنة الذي كانوا يُبجِّلونه، حين تخلَّى عن آلهتهم وقَبِل بالمسيحية.
تشينوا أتشيبي: أحدُ أشهر روَّاد الرواية النيجيريين، وصاحبُ أحدِ أكثر الأصوات الأدبية تمثيلًا للقارة الأفريقية. كتَب رواياته باللغة الإنجليزية، وتُرجِمت إلى العديد من اللُّغات حول العالَم. وُلد «ألبرت تشينولموجو» عامَ ١٩٣٠م في قرية الإغبو بأوجيدي شرقي نيجيريا. الْتَحق في صِغره بمدرسة «سانت فيلبس المركزية»، وأظهَر نُبوغًا وتفوُّقًا بين أقرانه، وتابَع تلقِّي تعليمه في «الكلية الثانوية الحكومية» التي اكتشف في مكتبتها روعةَ القراءة والاطِّلاع، ثم التحق ﺑ «كلية إبادان الجامعية» التابعة لجامعة لندن، ثم حصل على منحةٍ لدراسة الطب، لكنه قرَّر التخلِّي عنها لدراسة اللغة الإنجليزية والتاريخ وعلم اللاهوت. عمل عقِبَ تخرُّجه معلمًا للُّغة الإنجليزية في إحدى المدارس، ثم انتقل إلى العمل في الإذاعة النيجيرية وترقَّى فيها، ودرَّس لاحقًا في جامعات نيجيريا وجامعات الولايات المتحدة الأمريكية. شَهِد عام ١٩٥٠م باكورةَ كتاباته، بنشره مقالةً في مجلة «جامعة هيرالد»، تَتابعَت بعدَها مقالاتُه وخطاباته. كتَب إبَّان دراسته الجامعية أيضًا أولى قِصَصه القصيرة «في كنيسة قرية»، وهي قصةٌ تجمَع بين تفاصيل الحياة في المناطق الريفية النيجيرية وبين مؤسَّساتِ الديانة المسيحية ورموزها، وهو الجمْعُ الذي أصبح مميِّزًا لأعماله، إلى جانب نقلِه ثقافةَ المجتمعات الأفريقية التقليدية، وتناوُله تأثيرَ الاستعمار البريطاني على تلك المجتمعات. وجاءت أولى رواياته عامَ ١٩٥٨م تحت عنوان «الأشياء تَتداعى» لتُحدِث صدًى واسعًا، وتصبح من أهم كتب الأدب الأفريقي، وتُترجَم إلى أكثر من خمسين لغة، وتُباع منها ملايينُ النُّسَخ حول العالَم. ونُشِرت له أيضًا رواياتٌ متميِّزة أخرى، منها: «ليس مُطَمئنًا»، و«سَهم الله»، و«رجُل من الشَّعب»، فضلًا عن عددٍ من الكتب في الأدب والنقد. فارَق «أتشيبي» الحياةَ عامَ ٢٠١٣م عن عُمر ناهَز ٨٣ عامًا، تارِكًا إرثًا أدبيًّا عابرًا للحدود.