«وتنغلق الطُّرق على ابن عمار، فيَبلغ الغيظُ أقصاه بالمعتمد، فيُمسِك بقطعةٍ من حديد ذات مقبض كان قد أعدَّها، ويَهوِي بها على رأس ابن عمار، ثم لا يزال يضرب ويضرب حتى يموت ابن عمار بيدِ المعتمد، بيدِ صداقةِ خمسة وعشرين عامًا، بيدِ المَجد الذي اقتعده، بيدِ القمة التي ساوَرَها.» عاش «أبو محمد ابن عمار» حياتَه طولًا وعرضًا مُنافقًا مادحًا كاذبًا، يأكل بكلمته، ويعيش على فُتاتٍ يأخذه جزاءَ ما يلفظه شعرًا، يمدح التجارَ ليجد قُوتَ يومه، ثم ينتقل إلى الأندلس، فيقصد «المعتضد» بعد أن علم حُبه للشعر، ويصادِق ولدَه «المعتمد بن عباد» فيُقربه حتى يصبح في منزلة أخيه، يُنشِده «ابن عمار» شعره مادحًا، ويُغدِق عليه «المعتمد» من عطاياه أموالًا وعزًّا ومكانة، حتى صار وزيرًا له بعد تنصيبه مَلكًا على الأندلس، ثم خانه واستقلَّ بمرسية؛ إحدى ولايات الأندلس، بعد تخطيطٍ ودهاء وخداع لصديقه «المعتمد»، فانتهى أمره بالسجن جزاءَ ما فعل، حتى حنَّ «المعتمد» إلى مجلسه، لكنها الخيانةُ تَسري فيه مَسرى الدم، فقتله «المعتمد» بعد أن أفشى سرَّ حنينه إليه.
ثروت أباظة: روائيٌّ وكاتبٌ مصريٌّ مرموق، عُرِفَ بحِسِّه الوَطَني، ويَنتسبُ إلى عائلةٍ مصريةٍ عريقةٍ هي عائلةُ أباظة، وهو ابنُ السياسيِّ المصريِّ إبراهيم دسوقي أباظة. وُلِدَ «محمد ثروت إبراهيم دسوقي أباظة» بالقاهرةِ عامَ ١٩٢٧م. حصلَ على ليسانس الحقوقِ من جامعةِ فؤادٍ الأولِ عامَ ١٩٥٠م. كانتْ بدايةُ حُبِّه للقِراءةِ عندما أهداهُ والِدُه مجموعةً من مُؤلَّفاتِ الكاتبِ المصريِّ «كامل كيلاني»، ثُمَّ قرَأَ تِباعًا أعمالَ طه حُسَين، وتَوْفيق الحَكِيم، وعبَّاس العقَّاد، وأحمد شَوْقي. تعدَّدَ إنتاجُ ثروت أباظة الأدبيُّ وتنوَّعَ ليشملَ الروايةَ والقصةَ القصيرةَ والمَسْرحيَّة، إضافةً إلى ترجمتِه أكثرَ من عملٍ، وكتابةِ عدةِ بحوثٍ أدبيَّة. ارتبطَ بعَلاقاتٍ وثيقةٍ مع كُتَّابِ وأدباءِ مصرَ الكِبار؛ فقدْ قدَّمَ له عميدُ الأدبِ العربيِّ طه حُسَين روايته «هارِب من الأيام»، وأَثْنى عليهِ نجيب محفوظ حينَ قالَ عنه: إنَّ دورَهُ في الروايةِ الطويلةِ يحتاجُ إلى بحثٍ مُطوَّلٍ بعيدًا عَنِ المَذاهبِ السياسيَّة، وقالَ توفيق الحكيم له ذاتَ مرةٍ: أنا مُعجَبٌ برِواياتِكَ في الإذاعة، لدرجةِ أنَّني حينَ أقرأُ في البَرْنامجِ أنَّ لكَ رِوايةً أمكثُ في البيتِ ولا أخرُج. أثارتْ رِوايتُه «شيء من الخوف» جدَلًا واسعًا لقولِ بعضِ المقرَّبِينَ مِنَ الرئيسِ المِصريِّ الراحلِ جمال عبد الناصر إنَّها تَحملُ رمزيةً لفترةِ حُكمِه. تَقلَّدَ ثروت أباظة عدَّةَ مَناصبَ رسميةٍ من أهمِّها: رئيسُ تحريرِ مجلةِ الإذاعةِ والتلفزيونِ عامَ ١٩٧٥م، ورئيسُ اتحادِ كتَّابِ مصر، وحصل على عدة جوائز من بينها جائزةُ الدولةِ التشجيعيَّة عامَ ١٩٥٨م، ووِسامُ العلومِ والفنونِ من الطبقة الأولى، وفي عامِ ١٩٨٣م حصلَ على جائزةِ الدولةِ التقديريةِ عن مُجمَلِ أعمالِه. تُوفِّيَ ثروت أباظة عامَ ٢٠٠٢م.