«ظهَر رجل ذو وجهٍ وردي وتقدَّم حتى وقف خلف الشيخ الكبير، وقال فجأة: «يا عم شينغ، يا ترى الغيط بتاعك اتسرق إمبارح ولا لأه؟» فأجابه الشيخ الذي كان منشغلًا بما في يدَيه من الحبوب قائلًا: «أيوة اتسرقت، الحرامي سرق سِت فجلات وتَمن بطاطات، وساب لي وراه ورق الفجل وعروش البطاطا مرمية وسط الغيط».»تنسج لنا هذه الرواية قصةَ صبيٍّ صيني كان ضحيةً لظروفٍ قاسية ومعقَّدة عاشها في كنَف أبيه وزوجته التي تولَّت تربيتَه بعد وفاة أمِّه، وعانى على يدَيها القهرَ والظلم، فاتَّخذ من الوَحدة مَلاذًا له، وعاش حياة يملؤها الإحباط والحزن والألم، متجوِّلًا طوالَ الوقت في الطُّرقات غيرَ مُبالٍ بأي شيء، وذاتَ يومٍ رأى حقلًا من الفجل وهو عائد من عمله، فقرَّر أن يقتطع بمطرقته الحديدية حزمةً من الفجل ليتأمَّل لونَها تحت أشعة الشمس، لكنه ظلَّ يقتطع حزمةً وراء أخرى حتى أصبح الحقل خاويًا! تُرى ما السبب الذي دفَعه إلى فِعل ذلك؟!
مو يان: أديبٌ صيني عالمي، نال «جائزةَ نوبل في الأدب»، وتُرجِمت أعماله إلى مختلِف لغات العالم. وُلِد عام ١٩٥٥م بإحدى قرى الريف في شمال شرق الصين لعائلةٍ من المزارعين، وقد شارَك أسرتَه في أعمال الزراعة بجانب دراسته، كما التحق بجيش التحرير الشعبي في العشرين من عمره، ثم عمل معلمًا في قسم الآداب بأكاديمية الجيش الثقافية، وفي عام ١٩٩١ حصل على درجة الماجستير في الآداب من جامعة بكين للمعلمين. بدأت موهبته الأدبية في الظهور في سنٍّ مبكِّرة، فراح يَسرد العديدَ من القصص المُستوحاة من بيئته الريفية محمَّلةً بأبلغ المعاني الإنسانية والتفاصيل الدقيقة، وتميَّز بأسلوبٍ سِحري أخَّاذ وصفَته الأكاديميةُ السويدية المانحة لجائزة نوبل قائلةً: «مزَج الخيالَ بالواقع من خلال المنظورات التاريخية والاجتماعية، لقد خلق «مو يان» عالمًا يُذكِّرنا بتلك التعقيدات في كتاباتِ وليم فوكنر وغابريل غارسيا ماركيز، وفي نفس الوقت استفاد من الأدب الصيني القديم والأدب الشفاهي.» وقد لقي قبولًا واسعًا بين جمهور القرَّاء بفضلِ أعماله التي نُشِرت تِباعًا، وتُرجِمت إلى معظم لغات العالم ومنها اللغة العربية، والتي استطاع من خلالها أن يُساهِم بدورٍ رائد في صناعة الأدب الصيني. ومن أبرز هذه الأعمال الروائية والقصصية: «الذرة الرفيعة الحمراء»، و«الثور»، و«مطر هاطل في ليلة ربيعية»، و«خطة فول الصويا»، و«مخدع من البلور»، و«البحار»، و«الضفدع»، و«جمهورية النبيذ»، و«أغنيات الثوم»، وغير ذلك من الأعمال الإبداعية المتميزة. نال «مو يان» العديدَ من الجوائز المحلية والعالمية المتميزة، أبرزها «جائزة نوبل في الأدب» التي نالها عام ٢٠١٢م، و«جائزة فوكاكا الثقافة الآسيوية» عام ٢٠٠٦م، و«جائزة الأدب ماو دان» عن رواية «الضفدع»، و«جائزة نيومان الصينية للأدب» عام ٢٠٠٩م.