«انطلقتُ إلى معهد «التاريخ المعاصر» سيرًا على الأقدام رغمَ الجليد. كانت الشوارع مليئةً ببقايا أشجار عيد الميلاد الخضراء الصغيرة، وشُرفات البلوكات السكنية مُزدانةً بالمصابيح الملوَّنة والشعارات: الحزب والشعب متحدان، المجد للعمل، تعيش الشعوب السوفييتية بُناة الشيوعية.»«صنع الله إبراهيم» روائيٌّ عاشق للتاريخ، يَتجلَّى ذلك في الكثير من أعماله الأدبية، كما يَتجلَّى في هذه الرواية؛ فنجده يعود إلى الوراء، إلى عام ١٩٧٣م، ولكن ليس في مصر، بل في روسيا، زمن الاتحاد السوفييتي؛ يتناول فيها تجرِبةَ الدكتور «شكري»، طالب الدكتوراه الذي راح يَتنقَّل بين شوارع روسيا، ويتعامل مع مُختلِف الجنسيات التي يقابلها هناك. ويرصد «صنع الله إبراهيم» من خلال هذه التجرِبة، التي عاشها بنفسه، تفاصيلَ الحياة اليومية والتأريخ الاجتماعي للمجتمَع الروسي آنذاك، ليُوقِف القارئ على الأسباب الداخلية وراء انهيار الاتحاد السوفييتي، ويشير إلى أن حياةً كهذه من الطبيعي أن تؤدي إلى الانهيار الكامل، وهذا ما حدث. وكان اختيار عام ١٩٧٣م اختيارًا رائعًا؛ ففي هذا العام خاضت مصر حربَها الكبرى ضد إسرائيل، فسلَّط الضوءَ على أثَر ذلك على المصري المُغترِب.
صنع الله إبراهيم: روائيٌّ مصري يساري، يُغرِّد خارج السِّرب، سُجن في عصر «جمال عبد الناصر»، وبالرغم من ذلك يُقدِّر التجرِبة الناصرية، رفض استلامَ جائزةٍ من الدولة المصرية، وسخَّر مشوارَه الأدبي في الحديث عن هموم الوطن. وُلد «صنع الله» في القاهرة عام ١٩٣٧م، وكان لوالده أثرٌ كبير على شخصيته؛ فقد زوَّده بالكتب والقصص وحثَّه على الاطِّلاع، فبدأت شخصيتُه الأدبية في التكوين منذ الصِّغَر. درس الحقوق، لكنه سرعان ما انصرف عنها إلى الصحافة والسياسة. انتمى للمُنظَّمة الشيوعية المصرية «حدتو»، فاعتُقِل عام ١٩٥٩م ضمن الحملة التي شنَّها «جمال عبد الناصر» على اليساريِّين المصريِّين، وقبع في السجن خمسَ سنوات حتى عام ١٩٦٤م. بعد خروجه من السجن اشتغل في الصحافة لدى وكالة الأنباء المصرية عام ١٩٦٧م، ثم عمل لدى وكالة الأنباء الألمانية في برلين الشرقية عام ١٩٦٨م، حتى عام ١٩٧١م، وبعدها اتَّجه إلى موسكو لدراسة التصوير السينمائي، والعمل على صناعة الأفلام. ثم عاد إلى القاهرة عام ١٩٧٤م في عهد الرئيس «السادات»، وتَفرَّغ للكتابة الحُرة كليًّا عام ١٩٧٥م. تَميَّز إنتاج «صنع الله إبراهيم» الأدبي بالتوثيق التاريخي، والتركيزِ على الأوضاع السياسية في مصر والعالَم العربي، فضلًا عن سرده الكثيرَ من حياته الشخصية. ومن أشهر أعماله: رواية «شرف» التي تحتلُّ المرتبةَ الثالثة ضمن أفضل مائة رواية عربية، و«اللجنة»، و«ذات»، و«الجليد»، و«نجمة أغسطس»، و«بيروت بيروت»، و«النيل مآسي»، و«وردة»، و«العمامة والقبعة»، و«أمريكانلي»، وغيرها من الأعمال الأدبية التي تحظى بمكانة متميزة في عالَم الأدب. أُثِير حولَه الكثيرُ من الجدل بسبب رفضِه استلامَ «جائزة الرواية العربية» التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة، عام ٢٠٠٣م. نال العديدَ من الجوائز العربية المهمة، مثل «جائزة ابن رشد للفكر الحر» عام ٢٠٠٤م، و«جائزة كفافيس للأدب» عام ٢٠١٧م.