وَحدَها المَشاعِرُ الصادِقةُ تَصمُدُ أمامَ اختِباراتِ الحَياة، ووَحدَه الحُبُّ يَستطِيعُ التمرُّدَ على العاداتِ والتقالِيدِ البالِيةِ لمُجتمَعٍ يُحرِّمُ ما يَتعارَضُ معَ أيٍّ مِن أَعْرافِه؛ فلَمْ يَكُنْ ليُبارِكَ حبًّا صادِقًا نَشأَ بينَ شابٍّ وخادِمتِه، حتَّى وإنْ كانَتْ على قَدرٍ عالٍ مِنَ الأَدبِ والعِلْم. ولَكِنَّ التمرُّدَ لا يَعنِي فَقْدَ الهُوِيَّة، وجَمالَ المَرأةِ قَدْ يُصبِحُ سببَ تَعاسةٍ إنْ لَم يَكُنْ لَها عَقلٌ يَفوقُه. في سِلسِلةٍ مِنَ الأَحْداثِ تُناقِشُ رِحلةَ خادِمةٍ مِن بِلادِ الشَّامِ إلى المَهجَرِ الأَمريكِي، ومِن خِلالِ عِدةِ شُخوصٍ تُوضِّحُ تَبايُنَ الثَّقافاتِ والتحدِّيَاتِ التي طَالَما وَاجهَتِ المُجتمَعَ العَربِي؛ تَحكِي الرِّوائيةُ «عفيفة كرم» حِكايةَ حُبِّ «بديعة وفؤاد».
عفيفة كرم: كاتبةٌ وصحفيةٌ لبنانية تُعَد مِن رائِدات الرواية في الوطن العربي، ويُدرَج اسمُها ضمنَ أهم أدباء القرن التاسع عشر؛ ففي وقتٍ كان يصعب فيه أن تَخوضَ المرأةُ العربية غِمارَ المجالِ الصحفي والأدبي، كانت من السابقات اللاتي مهَّدنَ الطريقَ لإبداع المرأة في هذا المجال؛ فبعدَ إصدارِ روايتَيْها «فاطمة البدوية» عامَ ١٩٠٥م و«بديعة وفؤاد» عامَ ١٩٠٦م، صدرَتْ أكثر من ١٣ رواية عربية نسائية في أقلَّ من عشر سنوات. وبعد أن قامت بإصدار مجلة «المرأة السورية» عامَ ١٩١١م كأول مجلة عربية مستقلة للمرأة؛ حذَتْ حذْوَها أديباتٌ عربيات، فكانت مجلةُ «العروس» التي أُصدِرت في «دمشق» بنفس العام. سَبْقُها الدائم كان عاملًا هامًّا في خلقِ رُوحِ المُبادَرة لدى المرأة العربية، وهو ما لا نزال نفتقده حتى يومنا هذا. وُلِدت عامَ ١٨٨٣م في قرية «عمشيت» بلبنان. كان والِدُها الدكتور «يوسف ميخائيل كرم» أولَ أستاذٍ لها، عُنِي بتربيتها وتعليمها فأدخَلَها مدرسةَ القرية، ثم عهد بها إلى راهبةٍ متميزة في مدرسة «راهبات العائلة المقدسة» في قرية «جبيل» كي تستزيد من المعرفة. إلا أن مُجتمعَ القريةِ كانَ شديدَ التَّزمُّت، وكان يُعتقَد فيه أنَّ التعليمَ يُفسِد الفتاة ويَصرِفها عن فكرة الزواج وتكوين الأسرة؛ فقام والِدُها بتزويجها «كرم حنا صالح» عامَ ١٨٩٧م. وبعدَ أن حُرِمت مِن استكمالِ تعليمها في الرابعة عشرة، عكفَتْ على الاطِّلاع والقراءة، وحلمتْ في سنٍّ مبكرة بالتعبير عن هموم المرأة، فكانت فاجعةُ زواجها المبكر هي التي أرشدَتْها إلى فكرةِ التنوير ودور الأدب في ذلك. وفي سنِّ السادسة عشرة، سافرَتْ مع زوجها إلى الولايات المتحدة الأمريكية واستقرَّت معه في «لويزيانا». ولتحقيقِ ذاتها بدأَتْ في مُراسَلة الصحف العربية والكتابة على صفحاتها، وبعدَ مُضِي بعض الوقت وما لقيَتْه كتاباتُها مِن الاستحسان، تولَّتْ رئاسةَ تحريرِ جريدة «الهدى» المعروفة وأثبتَتْ جدارةً تامةً في إدارتها، كما أصدرَتْ مجلةَ «المرأة السورية» لأول مرة عامَ ١٩١١م، قبل أن تفكِّر في إصدارِ مجلةٍ مستقلة تُعنَى بشئون المرأة العربية في بلاد المَهجَر، سُمِّيت «العالَم الجديد» ورأى عددُها الأول النورَ عامَ ١٩١٢م. أصدرَتْ عفيفة كرم ثمانيَ رواياتٍ في مَواضيعَ متعدِّدة، نَذكُر منها: «بديعة وفؤاد»، و«غادة عمشيت»، و«ابنة نائب الملك»، و«نانسي ستاير»، و«محمد علي الكبير». وفي عام ١٩٢٤م تُوفِّيت إثرَ إصابةٍ مُفاجِئة في الدماغ، دونَ أن يَتسنَّى لها أن تَعودَ لبَلدِها بعدَ رحلةٍ من الغُرْبة امتدَّتْ لِمَا يُقارِب الخمسة والعشرين عامًا.