«ذاع صِيت هذه الجِزَّة في جميع أرجاء الأرض، وسَمِع بها القاصي والداني، وأصبح الناس ينظرون إليها كأنها كَنز ثمين لا يُقدَّر بثمن، وحمل أخبارَ تلك الجِزَّة الفرسانُ والأبطال إلى بلاد الأغارقة، فتاقَت نفسُ أبطالٍ عديدين وأمراءَ كثيرين وملوكٍ عِظام إلى امتلاكِ هذه الجِزَّة.»سافَر «فريكسوس» إلى بلاد كولخيس على ظهرِ كبشٍ — هَرَبًا من تقديمه مع أخته «هيلي» قُربانًا للآلهة، بحيلةٍ دبَّرتها زوجةُ أبيه — فأكرَم ملِكُ كولخيس وِفادته وزوَّجه ابنتَه، فقدَّم «فريكسوس» الكبشَ قربانًا للإله «زوس»، وجِزَّتَه الذهبية للرب «أريس»، فذاع صِيتُ الجِزَّة في جميع أنحاء الأرض، وطاقت إليها نفوسُ الأبطال والملوك، وكان إحضارُها هو الشرطَ الذي فرَضه «بيلياس» على «جاسون» ليُعيدَ إليه مُلكَه الذي اغتصبه منه بعد قتل أبيه «أيسون»، فاستعان «جاسون» بالأبطال الأغارقة وأبحرَت بهم سفينة الأرجو في سبيل الحصول على الجِزَّة، لكنهم تعرَّضوا للكثير من الأحداث المثيرة في رحلتهم. ماذا حدث لهم؟ وهل سينجحون في استعادة الجِزَّة؟ هذا ما سنعرفه من قراءة هذه المَلحمة الإغريقية الساحرة.
أبولونيوس روديوس: واحدٌ من أبرز شعراء العصر الهلينستي، يونانيُّ الأصل، وسكندري الولادة والإقامة، أمَّا لقبه «الرودسي» فقد حصَل عليه عندما قرَّر التقاعُدَ من الحياة العامة والهجرةَ إلى جزيرة «رودس» إثرَ خلافٍ حاد بينه وبين أستاذه «كاليماخوس القوريني». وُلد عام ٢٩٥ق.م. وتميَّز إنتاجُه الشعري بقصائد البطولة، وكانت مَلحَمة «أبطال الأرجو» هي أشهر الملاحم الشعرية التي نظَمها، سائرًا على درب «هوميروس»، ومخالفًا ذوقَ أستاذه «كاليماخوس»؛ وهو ما أدى إلى رفضِ المَلحَمة من قِبَل حزب أستاذه، فأصابه الاكتئاب وقرَّر الهجرةَ إلى «رودس»، حيث اكتسب كلٌّ من أعمالِه بصفته عالمًا في البلاغة، وأشعارِه الحديثةِ التنقيحِ شُهرةً بالغة، لدرجة أن أهل الجزيرة سمحوا له بأن يكون من مُواطِنيها، ومن هنا جاء لقبه. ولما عاد إلى الإسكندرية، ألقى قصيدتَه المَلحَمية مرةً أخرى فنالت الاستحسانَ العام؛ ولذلك عيَّنه «بطليموس أبيفانيس» في الفترة من ٢٤٠ق.م. حتى ٢٣٥ق.م. خلَفًا ﻟ «أيراتوسثينيس» في أمانة مكتبة الإسكندرية، ومن المحتمَل أنه مات وهو يَشغل ذلك المنصب. تُوفِّي «أبولونيوس» عامَ ٢١٥ق.م.