«نعم إنها حياتي. حياتي أنا. دائرةٌ حيثما بدأتَ من نقطةٍ منها فمِن الحتمِ المؤكَّدِ أن تعودَ إلى نفسِ النقطةِ التي بدأتَ منها. فمتى، متى تطمسُ الأيامُ هذه الدائرة؟! كلمةٌ لم أقُلها في حياتي، لا مهربَ من أنْ أقولَها اليوم، ولا أقولُ غيرَها: اللهُ يعلم. اللهُ وحدَهُ يعلم.» إنها دائرةُ الحياة، تدورُ وكأنَّنا نُسيِّرُها بإرادتِنا، فلا نعبأُ لعاقبةٍ ولا ننتبهُ لحادثة، إلا حينَ يَصفعُنا القدَرُ صفعةَ النهايةِ ويضعُ أمامَنا آخِرَ دروسِه التي ملَّ من تَكرارِها على مسامعِنا. بأحداثٍ مُتلاحقةٍ متوقَّعةٍ أنهى «ثروت أباظة» روايتَهُ تلك، مُعبِّرًا عما يَجولُ في صدرِه وعقلِه، وصارفًا فيها بعضَ ما أرَّقهُ من الحقبةِ الناصريةِ وثورةِ يوليو وما تبِعَها من سياسات؛ ﻓ «عبد الشكور»، ذلك الشابُّ المُعدِم، ابنُ أحدِ فلاحي مصرَ البُسطاء، استطاعَ بحيَلِه الخبيثةِ أن يصلَ إلى أعلى المراتبِ في الدولةِ وهوَ لم يَنلْ من التعليمِ إلا مراتبَه الوسطى، وبتلك الحيَلِ أيضًا تزوَّجَ ابنةَ أحدِ باشواتِ المَلَكية، وهو لا يرى في التنكُّرِ لأصلِه ولأبيه، الذي مات من شدةِ الفقر، إلا ضرورةً للحفاظِ على منصبِه؛ حتى كانت عاقبةُ ذلكَ كُلِّه أنْ سلَبَه ابنُه كلَّ ما يملكُ وشحَّ عليه بآخرِ فرصةٍ للبقاءِ على قيدِ الحياة.
ثروت أباظة: روائيٌّ وكاتبٌ مصريٌّ مرموق، عُرِفَ بحِسِّه الوَطَني، ويَنتسبُ إلى عائلةٍ مصريةٍ عريقةٍ هي عائلةُ أباظة، وهو ابنُ السياسيِّ المصريِّ إبراهيم دسوقي أباظة. وُلِدَ «محمد ثروت إبراهيم دسوقي أباظة» بالقاهرةِ عامَ ١٩٢٧م. حصلَ على ليسانس الحقوقِ من جامعةِ فؤادٍ الأولِ عامَ ١٩٥٠م. كانتْ بدايةُ حُبِّه للقِراءةِ عندما أهداهُ والِدُه مجموعةً من مُؤلَّفاتِ الكاتبِ المصريِّ «كامل كيلاني»، ثُمَّ قرَأَ تِباعًا أعمالَ طه حُسَين، وتَوْفيق الحَكِيم، وعبَّاس العقَّاد، وأحمد شَوْقي. تعدَّدَ إنتاجُ ثروت أباظة الأدبيُّ وتنوَّعَ ليشملَ الروايةَ والقصةَ القصيرةَ والمَسْرحيَّة، إضافةً إلى ترجمتِه أكثرَ من عملٍ، وكتابةِ عدةِ بحوثٍ أدبيَّة. ارتبطَ بعَلاقاتٍ وثيقةٍ مع كُتَّابِ وأدباءِ مصرَ الكِبار؛ فقدْ قدَّمَ له عميدُ الأدبِ العربيِّ طه حُسَين روايته «هارِب من الأيام»، وأَثْنى عليهِ نجيب محفوظ حينَ قالَ عنه: إنَّ دورَهُ في الروايةِ الطويلةِ يحتاجُ إلى بحثٍ مُطوَّلٍ بعيدًا عَنِ المَذاهبِ السياسيَّة، وقالَ توفيق الحكيم له ذاتَ مرةٍ: أنا مُعجَبٌ برِواياتِكَ في الإذاعة، لدرجةِ أنَّني حينَ أقرأُ في البَرْنامجِ أنَّ لكَ رِوايةً أمكثُ في البيتِ ولا أخرُج. أثارتْ رِوايتُه «شيء من الخوف» جدَلًا واسعًا لقولِ بعضِ المقرَّبِينَ مِنَ الرئيسِ المِصريِّ الراحلِ جمال عبد الناصر إنَّها تَحملُ رمزيةً لفترةِ حُكمِه. تَقلَّدَ ثروت أباظة عدَّةَ مَناصبَ رسميةٍ من أهمِّها: رئيسُ تحريرِ مجلةِ الإذاعةِ والتلفزيونِ عامَ ١٩٧٥م، ورئيسُ اتحادِ كتَّابِ مصر، وحصل على عدة جوائز من بينها جائزةُ الدولةِ التشجيعيَّة عامَ ١٩٥٨م، ووِسامُ العلومِ والفنونِ من الطبقة الأولى، وفي عامِ ١٩٨٣م حصلَ على جائزةِ الدولةِ التقديريةِ عن مُجمَلِ أعمالِه. تُوفِّيَ ثروت أباظة عامَ ٢٠٠٢م.