«ولم نكتفِ بهذا، بل أَقحَمنا أنفُسَنا في حروبٍ لا شأنَ لنا بها، ونحن شعبٌ فقير، ولكننا مع ذلك أخذنا الأموالَ التي يجب أن تُنفَق على مَرافقنا من كهرباء وماء وصرف وتليفونات، نُنفِقها في حرب اليمن والكونغو ومالي. وبهذا يا بني نلنا الشُّهرة. أتُعجِبك هذه الشُّهرة؟!»استطاع «ثروت أباظة» من خلال عائلة «عزام أبو الفضل» أن يُقدِّم رؤيةَ جيلِ ثورة يوليو ١٩٥٢م من خلال «وجدان» الابن الأكبر للعائلة، الذي وُلد قبل عامَين من الثورة، وبدأ إدراكُه يَتفتَّح مع المحطات الرئيسية للحِقبة الناصرية مثل العدوانِ الثلاثي، وتفاعُلِه مع الوَحْدة بين مصر وسوريا، ثم عجزِه عن استيعاب الأسباب التي أدَّت إلى الانفصال، وحربِ اليمن التي كلَّفت مصرَ الكثير، ثم الثورةِ الثانية على الإقطاع. وبينما كان الأبُ «عزام» يَرمز إلى الخبرة والحكمة والقدرة على زِنَة الأمور بميزان العدل لا بميزان الحماس، كان «وجدان» يرمز إلى جيل الثورة الذي تَرعرَع في كَنَفها وتَشبَّع بشعاراتها، إلى أن جاءت هزيمة ١٩٦٧م التي هُزِم فيها هذا الجيل وحُطِّمت أحلامه، ثم جاءت حرب السادس من أكتوبر ١٩٧٣م لتُعيد إلى هذا الجيل ثقتَه في نفسه، وإيمانَه بوطنه ومستقبله.
ثروت أباظة: روائيٌّ وكاتبٌ مصريٌّ مرموق، عُرِفَ بحِسِّه الوَطَني، ويَنتسبُ إلى عائلةٍ مصريةٍ عريقةٍ هي عائلةُ أباظة، وهو ابنُ السياسيِّ المصريِّ إبراهيم دسوقي أباظة. وُلِدَ «محمد ثروت إبراهيم دسوقي أباظة» بالقاهرةِ عامَ ١٩٢٧م. حصلَ على ليسانس الحقوقِ من جامعةِ فؤادٍ الأولِ عامَ ١٩٥٠م. كانتْ بدايةُ حُبِّه للقِراءةِ عندما أهداهُ والِدُه مجموعةً من مُؤلَّفاتِ الكاتبِ المصريِّ «كامل كيلاني»، ثُمَّ قرَأَ تِباعًا أعمالَ طه حُسَين، وتَوْفيق الحَكِيم، وعبَّاس العقَّاد، وأحمد شَوْقي. تعدَّدَ إنتاجُ ثروت أباظة الأدبيُّ وتنوَّعَ ليشملَ الروايةَ والقصةَ القصيرةَ والمَسْرحيَّة، إضافةً إلى ترجمتِه أكثرَ من عملٍ، وكتابةِ عدةِ بحوثٍ أدبيَّة. ارتبطَ بعَلاقاتٍ وثيقةٍ مع كُتَّابِ وأدباءِ مصرَ الكِبار؛ فقدْ قدَّمَ له عميدُ الأدبِ العربيِّ طه حُسَين روايته «هارِب من الأيام»، وأَثْنى عليهِ نجيب محفوظ حينَ قالَ عنه: إنَّ دورَهُ في الروايةِ الطويلةِ يحتاجُ إلى بحثٍ مُطوَّلٍ بعيدًا عَنِ المَذاهبِ السياسيَّة، وقالَ توفيق الحكيم له ذاتَ مرةٍ: أنا مُعجَبٌ برِواياتِكَ في الإذاعة، لدرجةِ أنَّني حينَ أقرأُ في البَرْنامجِ أنَّ لكَ رِوايةً أمكثُ في البيتِ ولا أخرُج. أثارتْ رِوايتُه «شيء من الخوف» جدَلًا واسعًا لقولِ بعضِ المقرَّبِينَ مِنَ الرئيسِ المِصريِّ الراحلِ جمال عبد الناصر إنَّها تَحملُ رمزيةً لفترةِ حُكمِه. تَقلَّدَ ثروت أباظة عدَّةَ مَناصبَ رسميةٍ من أهمِّها: رئيسُ تحريرِ مجلةِ الإذاعةِ والتلفزيونِ عامَ ١٩٧٥م، ورئيسُ اتحادِ كتَّابِ مصر، وحصل على عدة جوائز من بينها جائزةُ الدولةِ التشجيعيَّة عامَ ١٩٥٨م، ووِسامُ العلومِ والفنونِ من الطبقة الأولى، وفي عامِ ١٩٨٣م حصلَ على جائزةِ الدولةِ التقديريةِ عن مُجمَلِ أعمالِه. تُوفِّيَ ثروت أباظة عامَ ٢٠٠٢م.