«يا لَلخرابِ لو كانَ شريفًا! إذَن فهو لنْ يَقبلَ أنْ يَتناوَلَ الفَطور، وإذَن لنْ يَقبلَ الهَدايا التي سيُقدِّمُها له، ولكن كيفَ يكونُ مَأْمورًا شريفًا؟ إنَّه مَأْمور …» يَروي «ثروت أباظة» في هذه الروايةِ حكاياتِ أهلِ قريةِ السلامِ وما يُلاقونَه مِن اختباراتٍ مُستمرةٍ لدَواخلِ صُدورِهم، فنَرى روابطَ حُبٍّ تنشَأُ وأُخرَى تَنفصِمُ عُراها، وشجاعةً كامنةً خلفَ فَساد، وفَسادًا يَكمنُ خلفَ تَحامُق، وراغِبي السلامةِ قبلَ الكَرامة … كلُّ هذا في وسطٍ حِواريٍّ بديعٍ تَظهرُ فيهِ طبقاتٌ دقيقةٌ مِنَ المَشاعرِ داخلَ كلِّ شَخْصية، ويَتعانَقُ الحِوارُ معَ وصفِ البيئةِ ليَصنعَ حالةً مِنَ المُعايَشةِ يكادُ معَها القارئُ أن يَسمعَ ويَرى. وحسبُ هذه الروايةِ ما قالَهُ عنها عميدُ الأدبِ العربيِّ الدكتور طه حسين: «إِنَّها أحسَنُ ما كُتِبَ عنِ القريةِ في الأدبِ العربي.»
ثروت أباظة: روائيٌّ وكاتبٌ مصريٌّ مرموق، عُرِفَ بحِسِّه الوَطَني، ويَنتسبُ إلى عائلةٍ مصريةٍ عريقةٍ هي عائلةُ أباظة، وهو ابنُ السياسيِّ المصريِّ إبراهيم دسوقي أباظة. وُلِدَ «محمد ثروت إبراهيم دسوقي أباظة» بالقاهرةِ عامَ ١٩٢٧م. حصلَ على ليسانس الحقوقِ من جامعةِ فؤادٍ الأولِ عامَ ١٩٥٠م. كانتْ بدايةُ حُبِّه للقِراءةِ عندما أهداهُ والِدُه مجموعةً من مُؤلَّفاتِ الكاتبِ المصريِّ «كامل كيلاني»، ثُمَّ قرَأَ تِباعًا أعمالَ طه حُسَين، وتَوْفيق الحَكِيم، وعبَّاس العقَّاد، وأحمد شَوْقي. تعدَّدَ إنتاجُ ثروت أباظة الأدبيُّ وتنوَّعَ ليشملَ الروايةَ والقصةَ القصيرةَ والمَسْرحيَّة، إضافةً إلى ترجمتِه أكثرَ من عملٍ، وكتابةِ عدةِ بحوثٍ أدبيَّة. ارتبطَ بعَلاقاتٍ وثيقةٍ مع كُتَّابِ وأدباءِ مصرَ الكِبار؛ فقدْ قدَّمَ له عميدُ الأدبِ العربيِّ طه حُسَين روايته «هارِب من الأيام»، وأَثْنى عليهِ نجيب محفوظ حينَ قالَ عنه: إنَّ دورَهُ في الروايةِ الطويلةِ يحتاجُ إلى بحثٍ مُطوَّلٍ بعيدًا عَنِ المَذاهبِ السياسيَّة، وقالَ توفيق الحكيم له ذاتَ مرةٍ: أنا مُعجَبٌ برِواياتِكَ في الإذاعة، لدرجةِ أنَّني حينَ أقرأُ في البَرْنامجِ أنَّ لكَ رِوايةً أمكثُ في البيتِ ولا أخرُج. أثارتْ رِوايتُه «شيء من الخوف» جدَلًا واسعًا لقولِ بعضِ المقرَّبِينَ مِنَ الرئيسِ المِصريِّ الراحلِ جمال عبد الناصر إنَّها تَحملُ رمزيةً لفترةِ حُكمِه. تَقلَّدَ ثروت أباظة عدَّةَ مَناصبَ رسميةٍ من أهمِّها: رئيسُ تحريرِ مجلةِ الإذاعةِ والتلفزيونِ عامَ ١٩٧٥م، ورئيسُ اتحادِ كتَّابِ مصر، وحصل على عدة جوائز من بينها جائزةُ الدولةِ التشجيعيَّة عامَ ١٩٥٨م، ووِسامُ العلومِ والفنونِ من الطبقة الأولى، وفي عامِ ١٩٨٣م حصلَ على جائزةِ الدولةِ التقديريةِ عن مُجمَلِ أعمالِه. تُوفِّيَ ثروت أباظة عامَ ٢٠٠٢م.