«الحياة هي ما تراه في عيون الناس؛ الحياة هي ما يتعلَّمونه ويكتسبونه، وما اكتسبوه وتعلَّموه بالفعل، وأبدًا، بالرغم من هذا يحاولون إخفاءَه، ويجتهدون في التوقف عن الوعي ﺑ — بماذا؟ الحياةُ تشبه تلك التي تبدو لنا.»في ٢٨ مارس ١٩٤١م ملأت «فرجينيا وولف» جيوبَها بالحجارة، وألقَت بنفسها في نهر أوز بمقاطَعة سُسيكس بالمملكة المتحدة؛ لتُنهي حياةَ أديبةٍ استثنائية ظلَّت كتاباتها علامةً بارزة في الأدب الإنجليزي خلال القرن العشرين. وقد جاء هذا الكتاب ليُلقِي الضوء على حياتها، من خلال تَقدِمة أعدَّتها «فاطمة ناعوت» تحت عنوان «جيوب مُثقَلة بالحجارة» إشارةً إلى طريقة انتحارها، وهي دراسةٌ مهمة جمعت فيها «ناعوت» بين سعة المعرفة والقُدرة على تقمُّصِ خبرةِ «وولف»، على نحوٍ يجعل منها أثرًا فنيًّا ليس فيه دوجماطية النقاد الأكاديميين ولا سطحية النقاد الانطباعيين، وركَّزت فيها على السمات الخاصة ﺑ «وولف» وأدبها وعالَمها النفسي الذي مكَّنها من كتابة أبدع الروايات، ثم قادها إلى أعماق نهر أوز! مع ترجمةٍ لعملها الفريد «رواية لم تُكتَب بعد»؛ وهي قصيدةُ نَثرٍ متطاولة، وجوهرةٌ مُحكَمة الصنع أحسَنَ الصائغُ نحتَها، رحلة في أعماق النفس وما تَمُوج به من صفاء وكَدَر، وما يعتريها من تقلُّبات متصلة.
فرجينيا وولف: إحدى أيقونات الحركة الأدبية في إنجلترا في القرن العشرين، وأول مُستخدِمي تيار الوعي كطريقة للسرد. وُلدت «أدالاين فرجينيا وولف» في ٢٥ يناير ١٨٨٢م بلندن، لأسرةٍ ثَرِية؛ فكان والِدها رجلًا نبيلًا، وكانت والدتها تعمل عارضةً للحركة الفنية. عاشت «فرجينيا» في جوٍّ عائلي يهتم بالأدب والثقافة؛ فكان لوالِدها مكتبةٌ كبيرة، وكان يشجِّعها لكي تصبح كاتبة، وهو ما ساهَم في تشكيلها الأدبي، وكان لأخواتها غير الشقيقات دارُ نشرٍ قامت بنشر بعض أعمالها. وبالرغم من اقتصار التعليم الجامعي في الأسرة على الذكور — إذ كانت الفتيات يَتلقَّين تعليمَهن في البيت — فقد تمكَّنت هي وأخواتها من الالتحاق بقسم الفتيات في كلية الملك في لندن؛ حيث درَسن الكلاسيكيات والتاريخ (١٨٩٧–١٩٠١م)، وأصبحنَ على تواصُل مع أوائل النساء الإصلاحيات لحركة التعليم العالي للنساء وحركة حقوق المرأة. تزوَّجت «فرجينيا» من المنظِّر السياسي والمؤلِّف والناشر «ليوناردو وولف» عام ١٩١٢م، وأسَّسا معًا دارَ نشر هوجارث عام ١٩١٧، التي نشرت معظم أعمالها، وبالتدريج مالت «فرجينيا» إلى حياة العُزلة بعيدًا عن لندن؛ فاتخذت مَسكنًا دائمًا لها في مُقاطعة ساسكس. كان لها تأثيرٌ كبير على الحركة الأدبية الحداثية والنقد النسوي في القرن العشرين، فإلى جانب مُساهمتها في تكوين مجموعة بلومزبري الفنية والأدبية، تركت مجموعةً متميِّزة من المؤلَّفات الأدبية التي ساهَمت في تدشينِ تيارٍ جديد في الأدب الإنجليزي والعالمي هو تيارُ تداعي الذاكرة سيل الوعي، الذي ظهر جليًّا في أعمالها، مثل: «رحلة الخروج» (١٩١٥م)، و«الليل والنهار» (١٩١٩م)، و«غرفة جاكوب» (١٩٢٢م)، و«السيدة دالوي» (١٩٢٥م)، و«أورلاندو» (١٩٢٨م)، و«الأمواج» (١٩٣١م)، و«بين الأعمال» (١٩٤١م)، و«بيت تسكنه الأشباح» (١٩٤٤م) وهو مجموعةٌ قصصية نُشِرت بعد وفاتها. اتَّسمَت «فرجينيا» برهافة الحس الشديدة، التي أثَّرت على حالتها النفسية والعصبية؛ فقد تعرَّضت لأول انهيار عصبي عَقِب وفاة والدتها عام ١٨٩٥م، ثم كان لوفاة أختها التي كانت بمثابةِ أمٍّ لها عام ١٩٠١م، ثم وفاة والِدها عام ١٩٠٥م، تأثيرٌ سيئ على حالتها العصبية؛ حيث توالَت عليها نوباتُ الانهيار العصبي، بالإضافة إلى تعرُّضها لطفولةٍ مُضطرِبة بسبب التحرُّش بها من قِبَل أخوَيها غير الشقيقَين. وظلت طوال حياتها تتعرَّض لنوباتٍ من الانهيار العصبي دخلَت على إثرها مصحةً للأمراض العقلية بسبب مُحاوَلاتها المتكرِّرة للانتحار، وفي ٢٨ مارس ١٩٤١م نجحت في الانتحار، عندما ارتدَت معطفَها وملأَت جيوبَه بالحجارة، وأغرقت نفسها في نهر أوس القريب من منزلها.